نواكشوط | بعد نجاح التدخل العسكري الفرنسي في طرد المسلحين الاسلاميين من المدن الرئيسية في الشمال المالي، قطع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الشك باليقين بإعلانه أن باريس لن تطارد الاسلاميين في أدغال الجبال التي توجّهوا إليها بعد فرارهم من المدن. هولاند بدا واضحاً في نياته المستقبلية بشأن مواجهة المسلحين بتأكيده توكيل المهمة إلى مستعمراته السابقة في أفريقيا، موضحاً أن الأفارقة سيتحملون مهمة التعامل مع المتمردين الاسلاميين في شمال مالي، وسلّم بأن الشق الأصعب من المهمة لا يزال باقياً، وأنه سيُسند بصورة كبيرة إلى القوات المالية والافريقية.
وعلى الرغم من معرفة الفرنسيين الجيدة بأن الوضع على الارض ليس بالصورة التي تنقل عن تحقيق انتصارات مهمة على المسلحين، تظهر المؤشرات أن لا شيء سيتغير، إذ إن الضربات الجوية، بعد ثلاثة أسابيع على بدئها، لم تحقق المرجو منها بالقضاء على المسلحين الذين اتبعوا مبدأ الهرب منها، ولم تتعرض بنيتهم العسكرية لخسائر فادحة. هذه المعطيات الميدانية تنبئ بأن عودة المسلحين إلى نشاطهم العسكري ستكون قريبة، وأنهم سيتبعون خطط حرب العصابات التي يتقنونها بحكم معرفتهم أكثر بأرض المعركة، وهو ما لا قدرة لجيوش الدول الأفريقية على مواجهته. وهو ما توقّعه المسؤول عن برنامج أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، آلان انتيل، الذي أوضح أن الإسلاميين سينتقلون إلى تكتيك تقليدي أكثر لحرب العصابات، مناوشات وهجمات محددة مع عمليات خطف واعتداءات.
من جهتها، وعدت الجماعات المسلحة، التي توظف الصحراء والمرتفعات في استراتيجية جديدة، «الغزاة» بحرب طويلة المدى ستصيب كل دول المنطقة، ولن تستثني أحداً. وتوزعت جماعات أنصار الدين والتوحيد والجهاد والموقعون بالدماء على مناطق وعرة في الشمال المالي، وهي جبال شاهقة تحاكي في طولها ووعورتها جبال تورا بورا الأفغانية ولا يعرف مسالكها غير أبناء المنطقة.
ويرى مراقبون للشأن المالي أن لجوء هذه الجماعات إلى هذه الجبال ليس وليد الصدفة، بل هو استراتيجية كانت مبرمجة ضمن سيناريوات. ولا يتوقع المراقبون أن يصل الفرنسيون إلى هذه المناطق الوعرة، التي يوفر فيها المقاتلون وعائلاتهم كل احتياجاتهم الغذائية والدوائية.
وقال المستشار المستقل حول شؤون الإرهاب، جان شارل، «إن المسلحين بصدد الانتشار في الشمال، في المناطق الجبلية الوعرة المسالك التي يصعب ضربها. إننا أمام استراتيجية نزاع غير متناسق، على جبهتين: في مالي وفي الخارج على حدّ سواء». ورأى أن خطر تنفيذ هجمات في فرنسا أمر ممكن، لكنه أشار أيضاً الى «أن هذه الجماعات قد تعمد أولاً لأسباب عملية الى القيام بأعمال انتقامية في أفريقيا».
ويتوقع المراقبون أن يواصل مقاتلو الجماعات المسلحة اختفاءهم المؤقت في تلك المناطق الوعرة، وسط حرب نفسية ستوكل باريس وواشنطن ببعض مهماتها إلى أنصار الغرب في المنطقة، من خلال تسريبات إعلامية عن طلبات لجوء سياسي في موريتانيا لبعض قيادات هذه الجماعات. كذلك يتوقع المراقبون أن يقوم ماليون في المناطق المحررة بعمليات تصفية ضد الأقلية العربية والأزواديين لتأجيج السجال بين الجانبين.
كذلك حذر مراقبون في العاصمة الموريتانية نواكشوط من خطورة التدخل الفرنسي في شمال مالي، مؤكدين أن باريس تسعى لأفغنة المنطقة، وزيادة العنف، وتعقيد الأزمة السياسية في البلد الأفريقي المضطرب. ورأوا أن الوجود الغربي في منطقة الساحل الأفريقي سيحوّلها إلى ميدان يستقطب كل الناقمين على الغرب، ما سيدفع بدول جديدة في شمال وغرب أفريقيا إلى دائرة العنف بفعل المواقف الغربية الداعية إلى توريط أكبر قدر ممكن من دول الساحل في حربها ضد القاعدة.
ويخشى المتخصص في الحركات الاسلامية، سليمان مانجن، «أن يعيد المسلحون تموضعهم في ليبيا والجزائر وحتى تونس». وقال «إنها شبكة دولية في المقام الأول. سيكون هناك نزيف في البلدان الحدودية». ورأى المتخصص في معهد الدراسات الإسلامية ومجتمعات العالم الإسلامي في باريس، دومينيك توما، أنه سيتعيّن خصوصاً مراقبة تطور بلدان المنطقة، «الساحل بحدوده غير المحكمة»، و«على الأخص قدرة ليبيا على أن تصبح دولة مستقرة وآمنة».