بعد ستة أيام على انطلاق العملية العسكرية في مالي، بدأ يظهر التململ الفرنسي من تحمّل فرنسا «وحدها» وزر حرب تبدو شرسة وطويلة. «وحدها» أي بمساعدة دبلوماسية (لا غير) من الاتحاد الأوروبي، وبدعم لوجستي (فقط) من بريطانيا، وبتعويل متواضع على القوى الأفريقية التي ستساند على الأرض قريباً. فرنسا وجدت نفسها فجأة وحيدة وفي الصف الأمامي بمواجهة مجموعات مسلحة تنتشر في أرض غريبة على جيشها.
ومن أبرز الأصوات السياسية التي عبّرت عن هذا القلق أمس، كان رئيس حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، جان فرانسوا كوبيه، الذي أعلن على هواء قناة «فرانس 2» أن هناك «قلقاً كبيراً من وجود فرنسا وحيدة في هذه العملية». وأضاف أن «من المهم جداً في هذا الوقت أن يشارك المجتمع الدولي بكامله، وخصوصاً الدول الأفريقية، الى جانب فرنسا في مالي». ولم تخفف تطمينات رئيس الوزراء، جان مارك أيرولت، بأن «التعزيزات في مالي لن تتأخر في الوصول» من حدّة القلق الفرنسي الذي بلغ حدّ العتب في بعض الأحيان. وزير العلاقات مع البرلمان ألان فيدالي قالها صراحة أمس إن «الحشد الأوروبي لعملية «سيرفال» في أدنى مستوياته» و«إننا نأسف لغياب البعض عنها». صحافياً، بدا العتب أوضح وعبّر البعض صراحة عن قلق شديد من مغامرة فرنسية غير محسوبة. جان جاك ميفيل في صحيفة «لو فيغارو» رأى أن «الإجماع الكبير على شرعية العملية لا يتناسب مع درجة الحماسة المتدنية لإرسال جنود والمشاركة فيها». الصحافي أشار الى أن «عملية مالي تظهر مدى تقلّص الامتداد العسكري لأوروبا بعد أقل من سنتين على حرب ليبيا التي أثارت جدلاً والتي دعمها الحلف الأطلسي». «الدعم السياسي شامل، لكن عندما يحين وقت الفعل لا نجد أحداً»، يقول أرنو دانجان خبير الشؤون العسكرية والنائب في الاتحاد الأوروبي. «في النهاية، لا يمكن لفرنسا الاعتماد سوى على الأميركيين والإنكليز» يقول دانجان. ويردف «إن فرنسا كانت تأمل حتماً بدعم عسكري أوروبي وغياب هذا الدعم الآن سيعقّد حسابات المرحلة الثانية من العملية».
ميفيل يتابع مقاله معدداً الأسباب التي قد تمنع كل دولة أوروبية مجاورة لفرنسا من المشاركة فعلياً وعملياً في «سيرفال»: «ألمانيا وإيطاليا في مرحلة انتخابية تشريعية، لذا ستتفاديان إثارة موضوع حساس كهذا. إسبانيا مشغولة بأزمتها المالية القاسية، والدول الباقية مثل الدنمارك غير مهتمة أصلاً بأفريقيا، أما بولونيا فقواتها لا تزال مشاركة في أفغانستان».
«كي لا تبقى وحيدة في الميدان وتُتهم بلعب دور الشرطي المستعمر، تستعجل فرنسا مشاركة القوات الأفريقية ونشرها في أسرع وقت»، يقول أحد المحللين في مقال سارا ديفالا في مجلة «لو نوفيل أوبسيرفاتور». لكن الصحافية تشكك في كلام المسؤولين الفرنسيين عن أن تلك القوة الأفريقية ستبدأ بالمشاركة الأسبوع المقبل. وترجّح أن يستغرق الأمر عدة أسابيع، لا بل عدة أشهر، قبل أن تجهز تلك القوات فعلياً. ديفالا تعدد الصعوبات التي تواجه مهمة انتشار القوة الأفريقية، وأولاها عدم جهوزية عناصرها إن من حيث العتاد أو من حيث التدريب أو حتى من حيث طريقة القتال على الأرض. عقبات أخرى يذكرها المقال كتنوّع جنسيات الجنود المشاركين فيها واختلاف أنماط قتالهم واختلاف اللغة...
«لكن الوضع طارئ والمعارك جارية بضراوة... فإلى متى سنبقى وحدنا في الصف الأمامي؟»، تلك كانت أجواء معظم الصحافيين والمحللين في خلاصة تعليقاتهم على الموضوع.

المعارضون الثلاثة

ثلاث شخصيات سياسية فرنسية فقط انتقدت التدخل العسكري في مالي وأدانته؛ رئيس حزب اليسار والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية جان لوك ميلانشون اعترض على عدم استشارة المجلس النيابي في قرار العملية مسبقاً، وشدد على أن «العمليات العسكرية ليست هي الحلّ في مالي كما لم تكن في العراق أو في أفغانستان أو في ليبيا». ميلانشون رأى أيضاً أن على الأفارقة أن يتحركوا ويقرروا ما الذي سيفعلونه تجاه أزماتهم «فهم راشدون».
الشخصية الثانية المعارضة للحرب هي النائب والناشط البيئي نويل مامير الذي وصف «سيرفال» بـ«البروباغندا» وسأل «من تنقذ فرنسا في مالي؟ الشعب المالي أو الرئيس؟». أما رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان فقد رأى أن «هناك فيروس محافظين جدد يفتك بالجميع»، معبّراً عن «قلقه» من «الإجماع والترحيب بقرار الحرب ومن الكلام المكرر عن حرب على الإرهاب ومن كل الاستعجال الذي رافق العملية». «نحارب بشكل أعمى» هكذا علّق دو فيلبان. وتابع «هذه الحرب تفتقر الى هدف ولم يتوافر لها أي شرط من شروط النجاح».