انفجرت خلال اليومين الماضيين الأزمة المستجدة في باكستان بين الحكومة من جهة والمحكمة العليا والجيش من جهة ثانية، رغم أنّ ظاهرها تمثل في حراك شعبي ضدّ الحكومة يقوده رجل الدين البارز طاهر القادري، وذلك قبل الانتخابات المتوقع أن تجري في شهر أيار المقبل. وأمرت المحكمة العليا، أمس، بتوقيف رئيس الوزراء، راجه برويز أشرف، المشتبه في قضية فساد تتعلق بعقود غير مشروعة في مجال الطاقة مع نحو 15 شخصاً آخرين، كما أفاد المحامي أمير عباس المعين من الحكومة. وقال المحامي في إطار اللجنة الباكستانية لمكافحة الفساد (حكومية) إن «رئيس المحكمة العليا أمر بتوقيف جميع المتهمين في هذه القضية أياً كانت مناصبهم، وراجه أشرف أحدهم».وعُيّن أشرف المقرّب من الرئيس آصف علي زرداري رئيساً للوزراء في حزيران الماضي خلفاً ليوسف رضا جيلاني الذي استقال بضغط من المحكمة العليا، بعدما رفض إعادة فتح تحقيق قديم يتعلق بزرداري بتهمة الفساد. لكن الحكومة الباكستانية أعلنت أنها لم تبلغ من قبل أي جهة بمذكرة التوقيف بحق رئيس الوزراء، بحسب وزير الإعلام، قمر الزمان كايرا.
وعشية صدور القرار، انطلقت تظاهرات حاشدة أمام البرلمان في إسلام آباد ضد «فساد وعدم أهلية» الحكومة. وقاد التظاهرات رجل الدين القادري، الذي أتى في كانون الأول الماضي من كندا واستطاع خلال فترة وجيزة أن يكتسب شعبية هائلة.
وألقى القادري خطاباً في الجماهير قائلاً إن الحكومة «جاءت بنهاية سيئة لقواتنا المسلحة. تلك القوات المسلحة التي تتّسم بالإخلاص الشديد والكفاءة العالية والقدرة العالية والمهنية العالية». وأضاف «حتى هم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً لأن الحكومة السياسية غير قادرة على تحقيق أي شيء من هذه الأرض. الأحكام تصدر من جانب القضاء العظيم المستقل، لكن الحكومة غير مستعدة لتنفيذها».
وكان القادري قد ألقى كلمة سابقة أمام المعتصمين قال فيها «أريد البقاء هنا وأريدكم أن تبقوا هنا حتى الغد». وردت الحشود الحاضرة على الفور «نعم». وأضاف «سأتحدث إليكم غداً مجدداً، على أمل ألا نكون مضطرين إلى البقاء هنا فترة أطول». ورأى أن السلطة والأحزاب السياسية التقليدية مسؤولة عن كل المحن التي تصيب باكستان منذ خمس سنوات، من الإرهاب إلى الفقر مروراً بالفساد وأزمة الطاقة.
ووجه القادري تحية إلى الجيش وإلى السلطة القضائية. ونفى أن يكون يتحرك بإيعاز من جهات أخرى، وذلك ردّاً على منتقديه الذين يشتبهون في أنه أداة للجيش الذي يحظى بنفوذ واسع في البلاد، أو لدول أجنبية تحاول عرقلة العملية الانتخابية وتجريد الأحزاب التقليدية من صدقيتها.
وكان فواض تشودري، وهو مساعد لرئيس الوزراء الباكستاني راجه برويز أشرف، قد اتهم الجيش والمحكمة العليا بالعمل معاً من أجل إسقاط الحكومة. ويفترض أن تنظم انتخابات مبدئياً قبل منتصف أيار. وبموجب الدستور الباكستاني، يجب أن تؤلّف حكومة انتقالية بعد انتهاء ولاية البرلمان وحلّه المرتقب في منتصف آذار، لتصريف الأعمال في البلاد الى حين تولّي حكومة جديدة منبثقة عن الانتخابات مهماتها. ويدعو القادري الى تأليف هذه الحكومة بالتشاور مع الجيش والقضاء، وليس مع الأحزاب التقليدية الكبرى فقط. ويرى أنه في تلك الحالة فقط يمكنها أن تجري إصلاحات «لكي يتم انتخاب أشخاص شرفاء».
ووصل طاهر القادري ليل الاثنين _ الثلاثاء الى وسط إسلام آباد للانضمام الى آلاف المتظاهرين، ووجه إنذاراً إلى الحكومة لكي تحل البرلمان الفدرالي سريعاً والمجالس الإقليمية. ودعا القادري، المعتدل ومؤسس منظمة «منهج القرآن» المنتشرة في البلاد والخارج، إلى تعبئة واسعة شبيهة بما جرى في ميدان التحرير في القاهرة، والتي أدّت إلى سقوط الرئيس المصري حسني مبارك عام 2011.
ويرى محللون أنّ الجيش سيكون مرتاحاً لشخصيات مثل القادري تسلّط الضوء على عيوب الحكومة، وقد يلعب دوراً خلف الكواليس لدعمه. لكن الجيش ينفي مساندة القادري. وقد أوضح هذا الموقف ضابط رفيع المستوى، مؤكداً أن الجيش لا يريد تكرار الانقلابات العسكرية التي شهدتها باكستان في الماضي، لكنه أضاف أن هذه المواجهة يمكن أن تنتهي إذا لعب الجيش دوراً كوسيط. وأضاف «يجب أن نلتزم كلما أمكن بالدستور والقانون، ونحن نتطلع الى التغيير. قائد الجيش أوضح ذلك».
ويستطيع القادري حشد الآلاف من أعضاء منظمته «منهج القرآن»، التي لديها شبكة من المدارس والعيادات الطبية وتنظم عمليات إغاثة لضحايا الكوارث الطبيعية. وقال المسؤول الحكومي المحلي، محمد وقاص إقبال، مشيراً الى القادري، «لقد أنفق الكثير من الأموال، ويضع حياته على كفّه. إنه هنا لتخليص الناس». ولم تمرّ الاحتجاجات المتواصلة على سلامة، إذ وقعت صدامات صباحية بين المتظاهرين وعناصر الشرطة أدّت الى بعض الإصابات الطفيفة. وأطلقت قوات الأمن الباكستانية النار في الهواء واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين. وقال وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك «لن نقبل بضغوط القادري لأن مطالبه غير دستورية». وأضاف مالك أن «المتظاهرين رشقوا الشرطة بالحجارة وأطلقوا النار على الشرطة»، معتبراً أن القادري مسؤول عن شلل وسط العاصمة. وأكد «كنا قد اتفقنا مع المتظاهرين لتسهيل مسار التظاهرة. لكن حين وصل القادري تغيّر كل شيء وطلب من أنصاره التوجه الى البرلمان».
من جهة ثانية، أكد متحدث باسم القادري أن المحتجين سيعتصمون أمام البرلمان الى أن تحلّ الحكومة المجلس التشريعي وتؤلّف حكومة تسيير أعمال. وأضاف أن الحشود منعت قوات الحكومة من القبض عليه، وأن ستة من مؤيدي القادري أُصيبوا بجروح.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)