تحوّلت قضية الاعتقالات التي نفذتها أنقرة نهاية الأسبوع الماضي بحقّ من تتهمهم بالانتماء إلى جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن، إلى تجاذب مباشر بين الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي. كأن حملة الاعتقالات الواسعة التي حصدت شرطيين وموظفي دولة بالإضافة إلى إعلاميين بارزين، مثلت اختباراً للعلاقة بين أنقرة وبروكسل، التي شهدت أخيراً تحولاً مبشّراً بتحقيق حلم تركيا الأزلي، بالعضوية الكاملة في المنظمة الأوروبية.
ففي ظلّ التظاهرات التي تشهدها مدن تركيا احتجاجاً على الحملة الأخيرة، عبّر الاتحاد الأوروبي على لسان منسقته العليا للأمن والسياسة الخارجية، فريديريكا موغريني، عن «دهشته» من تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي دعت الأوروبيين إلى «الاهتمام بشؤونهم»، بعد رفضهم الممارسات التركية التي «تتعارض مع القيم الأوروبية».
في هذا الوقت، تمضي أنقرة، من دون تردد، في «مواجهتها» للأوروبيين في هذا المجال، عبر التمسّك بموقفها من قضية «الكيان الموازي»، الاسم الذي تطلقه على جماعة «الخدمة» التي يتزعّمها غولن، عدو أردوغان اللدود. وأشار الرئيس التركي إلى غولن المقيم في الولايات المتحدة، من دون أن يسمّيه، قائلاً: «هناك من يديرون من الخارج شبكة الخيانة في الداخل، يقيمون هناك على بعد آلاف الكيلومترات، كذلك هناك أيضاً من يعيشون في الخارج، وكلهم خوف من افتضاح أمر الخيانة التي ارتكبوها في المؤسسات التركية».
من جهته، خاطب وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بروكسل، قائلاً إن «بوسع الجميع أن يعربوا عن حزنهم لاعتقال صحافيين وأن يتمنوا عملية قضائية شفافة»، مضيفاً: «لكننا لا نستطيع أن نقبل بهذه الانتقادات الحادة ضد تركيا وحكومتها، خصوصاً بعد بدء الإجراءات العدلية». وأضاف الوزير معلقاً على التصريحات الأوروبية بشأن الاعتقالات الأخيرة: «أنا لا أقبل بتعليمات من قبيل أطلقوا سراحهم فوراً»، ورأى أن مهنة الصحافة لا تمنح حصانة لمرتكبي الجرائم، وبالتالي يمكن توقيف أي صحافي في هذه الحالة. وأشار جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره النرويجي، بورج برند، في أنقرة إلى أن «الاتهامات الموجهة إلى الإعلاميين الذين أُوقفوا، وفقاً لما أعلنه الادعاء العام، لا تتعلق بعملهم الإعلامي، بل تتعلق بإنشاء منظمة مسلحة».
أوروبياً، قالت المنسقة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، فريدريكا موغريني: «لقد شاهدت ردة فعل الرئيس أردوغان، وأنا عن حق مندهشة لكلامه بحقي. وسبب اندهاشي هو أنني قابلته، الأسبوع الماضي، مع رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، خلال زيارتي لأنقرة، وأجرينا مباحثات بناءة بخصوص أمور مستقبلية، واتفقنا حينها على أن هذه الفترة تعتبر فرصة لبناء بداية بين تركيا والاتحاد الأوروبي». وتابعت موغريني، قائلة: «لقد كان أعضاء الحكومة التركية، هم من قالوا لنا إن طريق تركيا لأوروبا مرتبط بالمبادئ والقيم وفي مقدمتها سيادة الديموقراطية والقانون، أكثر من المصالح الاقتصادية»، مؤكدةً قناعتها بأن التزام المسؤولين الأتراك تعهداتهم في هذا الشأن، «سيعود بالنفع على تركيا أولاً».
إلى ذلك، شهدت مدن تركية عدة، أمس، تظاهرات احتجاجية دعماً للموقوفين في قضية «الكيان الموازي». في محافظات هاتاي وتشناق قلعة وبورصة ووان وغيرها، احتشد الآلاف تنديداً بحملة الاعتقالات و«بالممارسات القمعية وبانتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير» التي تقوم بها أنقرة.

(أ ف ب، الأناضول)