شُغل الإعلام والرأي العام التركي بحملة الاعتقالات التي نفّذها الأمن ضد أشخاص متهمين بتأييد جماعة «الخدمة» التابعة للداعية الإسلامي فتح الله غولن، حيث وصل الأمر بإحدى وسائل الإعلام لتشبيه رجب طيب أردوغان بهتلر، في وقتٍ يمضي فيه الرئيس التركي حتى النهاية في «معركته» الداخلية لتضييق الخناق على كل الأصوات المعارضة له، غير آبهٍ بوجهات النظر الداخلية والدولية ولا حتى بتهديد العضوية الكاملة التي تنشدها بلاده في الاتحاد الأوروبي.
فبعد يومٍ من حملة الاعتقالات التي حصدت موظفين في الدولة وإعلاميين بينهم رئيس تحرير صحيفة «زمان» التابعة لجماعة غولن، أكرم دومانلي، ورئيس قناة «سمانيولو»، هدايت كراجة، أعلن أردوغان أنه لا بد من «تطهير» القضاء وأجهزة الدولة عموماً من «الخونة»، أو بمعنى آخر، من هؤلاء الذين تتهمهم أنقرة بالتغلغل في سلكي القضاء والشرطة «لقلب النظام»، وبقيامهم باستغلال مناصبهم «للتنصت غير المشروع على المواطنين»، الذي أدى إلى فضيحة الفساد بحق أردوغان وبعض وزراء حزب «العدالة والتنمية» الحاكم.
كذلك، لم يخشَ أردوغان من رفع نبرته تجاه الاتحاد الأوروبي الذي تعهّد عقب انتخابه مباشرةً، بجعل العضوية الكاملة التركية فيه، «هدفاً استراتيجياً»، حيث دعا الرئيس التركي، يوم أمس، الاتحاد إلى عدم التدخل في الشؤون التركية وإلى «الاهتمام بشؤونه»، مضيفاً أنه إذا قبلت بروكسل بتركيا أم لم تقبل، «فهذا لا يهمنا».
وفي أول تعليقٍ له على حملة الاعتقالات، قال أردوغان في تصريحات متلفزة من أزمير (غرب)، إنه «لا يمكن للاتحاد الأوروبي التدخل في خطوات اتخذت ضمن حكم القانون ضد عناصر تهدّد أمننا القومي»، وأضاف «فليهتموا بشؤونهم الخاصة».
كلام أردوغان يأتي بعد إدانة المنسقة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، ومفوض سياسة الجوار الأوروبي ومفاوضات التوسيع، يوهان هاهن، لحملة الاعتقالات ووصفها بـ «المخالفة للقيم الأوروبية»، بالإضافة إلى التلميح إلى أن هذه الإجراءات لا تتماشى مع نية أنقرة الانضمام الكامل للاتحاد الأوروبي.
وحذر أردوغان المسؤولين الأوروبيين من ممارسة أي ضغوط على القضاة والمدعين والشرطة في تركيا.
وقال: «أتساءل ما إذا كان أولئك الذين يبقون هذا البلد عند أبواب الاتحاد الأوروبي منذ 50 سنة يعلمون ماذا تمثل هذه الاجراءات؟» في إشارة إلى الاعتقالات.
وأكد أن تهديد بعض العناصر للأمن القومي «سيحصل على الرد المناسب حتى وإن كانوا من الصحافيين»، مضيفاً أنه «عندما نتخذ مثل هذه التدابير، يصبح ما يقوله الاتحاد الأوروبي وإذا قبل بنا أم لم يقبل، أمر لا يهمنا». وأضاف مخاطباً بروكسل: «احتفظوا بأفكاركم».
وفي السياق نفسه، قال أردوغان إنه ينبغي «تطهير» القضاء ومؤسسات الدولة الأخرى بما فيها الهيئة العلمية الحكومية (توبيتاك) من «الخونة». وقد تطرقت الصحف التركية الصادرة، يوم أمس، إلى ما سمّاه بعضها «حملة كمّ الأفواه» التي يقودها أردوغان. وصدرت صحيفة «طرف» التركية، أمس، بعنوان لافت وهو: «هكذا بدأ هتلر أيضاً»، للإشارة إلى ممارسات الرئيس أردوغان القمعية.
أما صحيفة «زمان» التي جرى اعتقال رئيس تحريرها، أكرم دومانلي، فهي رأت أن ما جرى لا يمسّ الصحيفة فقط، بل هو «انقلاب» ضد الديموقراطية وحقوق الانسان والإعلام في تركيا، واعدةً بأن هذا «الهجوم» لن يوقف الصحيفة.
إلى ذلك، أفرجت النيابة العامة التركية على خلفية التحقيقات،أمس، عن 5 موقوفين من أصل الأشخاص الـ 27 الذين جرى توقيفهم أخيراً. وجاء الإفراج عن الموقوفين الخمسة بعد الاستماع إلى إفادتهم، فيما تتواصل الإجراءات القانونية بحق الموقوفين الآخرين.
(الأخبار، أ ف ب)