ليما | بعد تمديد أكثر من ٣٠ ساعة عن الموعد الرسمي، اتفقت نحو 190 دولة، في جولة المفاوضات المناخية التي ترعاها الأمم المتحدة في ليما ـ البيرو، حول تعهداتها المقبلة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للدفيئة، وذلك بهدف الحد من الاحتباس الحراري. لكن هذه التعهدات لا تزال دون الحدّ الأدنى المطلوب لوقف ارتفاع حرارة الأرض درجتين مئويتين، وهو ما يهدد بتغيرات جذرية في طريقة العيش والتكييف مع التغيرات التي سيشهدها المناخ.
وركّزت التقارير الصادرة عن مراجع علمية موثوقة على ضرورة أن تبلغ انبعاثات الغازات المسببة للدفيئة ذروتها عام 2015، وتعود مستوياتها عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، ومن ثم تعود وتنخفض بنسبة 80% من هذا المعدل عام 2050، علماً بأن مستوى تركيز الغازات الدفينة الحالي يبلغ أكثر من 400 جزء في المليون من ثاني أوكسيد الكربون، وهو يرتفع نقطتين كل عام. ويقول خبراء المناخ إنه بات من شبه المستحيل الحفاظ على درجة حرارة الأرض، فالوقوف عند ارتفاع يصل في حدّه الأقصى إلى درجتين مئويتين، يتطلب إعادة تركيز الغازات الدفينة على ما يعادل 350 جزءاً في المليون من ثاني أوكسيد الكربون، الأمر الذي يتطلب إجراءات قاسية جداً لم يقدم أي من الدول الملوثة الكبرى على التعهد بالقيام بها.

لم تشذّ كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين عن القاعدة في ختام كل جولة من جولات المفاوضات المناخية. ويؤكد الخلاف الحالي بين أكبر دولتين تتسببان بظاهرة الاحتباس الحراري أن التوصل إلى اتفاق ـ كان قد أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما والزعيم الصيني شي جين بينغ، الشهر الماضي، لمكافحة تغير المناخ ـ لم يترجم إلى نهج مشترك جديد.
وبعد محادثات امتدت يومين إضافيين، تطلب وثيقة الاتفاق المكوّنة من أربع صفحات من الدول تقديم خططها الوطنية لمكافحة الاحتباس الحراري مطلع العام المقبل لتكون أساس اتفاقية عالمية جديدة من المقرر التوصّل إليها خلال قمة تعقد في باريس في غضون عام.
وهدّأ النص من مخاوف دول نامية، بينها الصين والهند، من فرض مسودات سابقة عبئاً ثقيلاً على الاقتصادات الناشئة، مقارنةً بالدول الغنية في إطار مسعى عالمي لمكافحة تغيّر المناخ. وقال وزير البيئة الهندي، براكاش جافيدكار، إن «النص يحافظ على ضرورة أن تقود الدول الغنية جهود خفض الانبعاثات»، ما كسر الجمود في المفاوضات. وأضاف جافيدكار: «حصلنا على ما نريد»، متابعاً أن الاتفاق يوضح أيضاً أن الدول الغنية يجب أن تقدّم دعماً مالياً للدول النامية. وقال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون المناخ والطاقة، ميغيل ارياس كانيتي، «إنها وثيقة جيدة لتمهيد الطريق إلى باريس».
ويُعدّ التوصل إلى اتفاق حول صيغة التعهدات أو المساهمات الوطنية التي ستتخذها الدول خلال عام 2015 لخفض انبعاثات الغازات، من الأهداف التي سعى المفاوضون إلى تحقيقها في ليما. وتتعلق صيغة المساهمات، خصوصاً، بالسنة المرجعية ومدة الالتزام وخطة التحرك والقطاعات المعنية.
ويجب أن تتحدث المساهمات عن أهداف وطنية للخفض حتى تتراجع الانبعاثات على المستوى الشامل من 40 إلى 70% حتى 2050، وهذا أمر ضروري للتوصل إلى أن يقتصر ارتفاع درجات حرارة الأرض على درجتين مئويتين. ويمثل وضع قواعد مشتركة حول مضمون المساهمات الوطنية وتقييمها مرحلة أساسية لضمان حجم محدّد للطموح في الاتفاق المتعدد الأطراف المأمول في باريس.
من جهته، قال وزير البيئة في البيرو، مانويل بولغار: «اسمحوا لي أن أقول لكم إن النص ليس مثالياً، لكنه يحترم مواقف جميع الأطراف. ومع هذا النص، نحن رابحون جميعاً بلا استثناء».
وكانت المفاوضات يوم السبت قد شهدت خلافاً بين الصين والولايات المتحدة، ما هدّد بانهيار المحادثات. وقالت الصين إن مسودة النص الختامي «ألقت بأعباء ثقيلة على الدول الفقيرة من أجل الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري»، وذلك بالمقارنة مع الدول الغنية التي يحرق سكانها المزيد من الوقود الحفري.
وقال نائب وزير الخارجية الصيني، ليو جين مين: «نريد إجماعاً في ليما، لكن في ضوء الوضع الراهن فقد وصلنا إلى طريق مسدود». وحثّ المبعوث الأميركي، تود ستيرن، الجميع على قبول النص التوافقي، قائلاً إن إخفاق الجهود في ليما سينظر إليه باعتباره «انهياراً كبيراً» يهدّد قمة المناخ التي ستعقد في باريس وأيضاً صدقية منظومة الأمم المتحدة لمعالجة مشكلة تغير المناخ. وقال «ليس لدينا وقت لمفاوضات جديدة طويلة، وأظن أن الجميع يدرك ذلك».
وتقول الدول النامية إن النص لم يرقَ إلى إجبار الدول الغنية على جمع مبلغ 100 مليار دولار الذي وعدت به في موعد غايته 2020 أو المساعدة على إيجاد آلية للتعويض عن الخسائر والأضرار الناجمة عن العواصف والفيضانات أو ارتفاع منسوب مياه البحار.
والنص الجديد الذي أقر في ليما «يدعو بإلحاح» البلدان المتطورة إلى «القيام بخطوات طموحة للخفض، وخصوصاً في اتجاه البلدان الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية». وهذه بالتأكيد ليست خريطة الطريق التي تأمل بها البلدان المتطورة حول التمويل الموعود. وعتبة 100 مليار دولار من المساعدة السنوية في 2010 يجب بلوغها، لكن الطريقة لتحقيق ذلك لا تزال غامضة. ومدى إلزامية المساهمات التي تبقى مساراً اختيارياً، لا تزال غامضة. وتوضح المادة 12 أن من الضروري تقديم المعلومات الآتية: الأهداف والسنة المرجعية ومهلة التطبيق والمنهجية المتبناة ومستوى طموح المساهمة.
أما التقييم، فإنه سيتم خلال اجتماع في بون في حزيران 2015، في إطار «احترام السيادة الوطنية». ولا يذكر النص تجميع المساهمات بالمقارنة مع هدف خفض الدرجتين المئويتين.
ورأى أحد أعضاء منظمة «اكشن ايد انترناشونال» غير الحكومية، هارجين سينغ، أن «هذا النص لا يتضمن عملياً أي شيء للبلدان الفقيرة والضعيفة». وأضاف إن «البلدان الغنية تتخلف عن تنفيذ التزاماتها حتى لو أنها تقوم بخطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح».

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar