نيويورك | في القارة الأفريقية، المسألة أكثر تعقيداً مما يظهر، وهي لا تقتصر على البعد الاقتصادي أو الاجتماعي فقط، بل تتخطاه إلى البعد الأمني والصحي. وإذا كان الأمان مفقوداً نتيجة انتشار الإرهاب والتطرّف، فالهلع أيضاً يتفشى جراء سرعة انتقال فيروس وباء «إيبولا»، خصوصاً إلى مالي، مؤخراً.
هذا المرض الغامض يهدّد بالانتقال بواسطة السكان الرحّل. لا أحد يستطيع ضبطه في هذه المنطقة. وكأن القارة الأفريقية تسير نحو وضع مشابه لما أصاب أوروبا، يوم غزاها الطاعون (الموت الأسود كما سمّوه) في القرون الوسطى. يومها، حتى الملوك والبابا والقساوسة، فرّوا إلى حصون في الغابات للمحافظة على أرواحهم، وتركوا المدن والقرى مرتعاً للفوضى والعصابات. اليوم، يمكن القول إن الخوف من مصير كهذا قائم ويتعاظم في أفريقيا، بحسب التقارير.
بناءً على ذلك، رأت الأمم المتحدة أن الواجب يفرض على الحكومات التصدي بتكامل وتعاون لكافة الأخطار المحدقة بدولها. ولكن هذه الحكومات تبقى عاجزة، حتى الآن، عن تشكيل مؤسسات دستورية تضمن حفظ النظام والقانون في حده الأدنى، أو حتى مجرّد منح الشعور بأنها تستطيع تأمين مستقبل للمواطنين، مهما كان محدوداً، خصوصاً أنها من أفقر دول العالم.
المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى منطقة الساحل الأفريقي، حيروت غويبره سيلاسي، حذّرت من خسارة هذه الحرب، منبّهة من أن آثارها الأمنية والصحيّة ستطال حتى أوروبا. وقالت لأعضاء مجلس الأمن الدولي، خلال إحاطتها الفصلية، إن منطقة الصحراء تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية والاستثمار. كذلك أشارت إلى أن «الظهور الأخير لوباء إيبولا في مالي يهدد بالتحول إلى القشة التي تقسم ظهر البعير لبلدان الساحل»، لجهة انعدام القدرة على التصدي للوباء.
وشددت سيلاسي على أن «الجهود الدولية لا تكفي، في الوقت الذي تبقى فيه البلدان نفسها غير ملتزمة بالحد الأدنى من القدرة على تولّي شؤون الحكم».
وفي سياق آخر، تطرقت سيلاسي إلى الوضع الأمني المنتشر في القارة، فأشارت إلى الوضع في ليبيا، الذي يبقى من أهم الأمور المزعزعة للاستقرار. وأوضحت أن «عدوى الفوضى في ليبيا تتمدّد عبر الصحراء إلى كافة الدول، وصولاً إلى نيجيريا». كذلك أشارت، بشكل خاص، إلى «الخطر الذي يمثله تدريب ميليشيات إسلامية متطرفة في معسكرات ليبية». ووصفت ذلك بأنه «مثير للقلق». وحذرت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة من أنه «إذا لم تتم السيطرة على الوضع في ليبيا، فإن العديد من دول المنطقة قد تفقد السيطرة التامة على أوضاعها».
أما عن شمالي مالي، فقد لفتت سيلاسي إلى تدهور الأوضاع الأمنية، مشيرة إلى أن «عناصر حفظ السلام الدوليين يقتلون بانتظام قرب حدود النيجر». وأضافت أنه «بعد سبي مئات الفتيات من الطالبات في شمالي نيجيريا، فرّ ١٠٠ ألف نسمة من منطقة دفا في النيجر ونزح عشرات الآلاف في التشاد والكاميرون من قراهم ومدنهم». وشبهت سيلاسي هذه التطورات بـ«المشهد العراقي أو المشهد السوري، بعد غزوات داعش وجرّ الأطفال إلى الخدمة العسكرية والفتيات إلى أسواق النخاسة بعد قتل الآباء والأمهات». فـ«تنظيم بوكو حرام يقرأ الدرس الداعشي ويطبّقه بحذافيره، والتنظيمات التي ينقل بعضها عن بعض تتعاون أيضاً بشكل ملموس»، بحسب ما قالت المسؤولة الدولية. وهي في هذا السياق أشارت إلى أن «السلاح ينتقل بسهولة ومعه المسلّحون والتهريب، بما في ذلك المخدرات».
وأوضحت أن «20 ألف قطعة سلاح انتقلت من ليبيا إلى دول الصحراء الكبرى، كذلك جرى دفع القسم الأكبر من ١٨ طناً من مخدر الكوكايين قيمتها مليار و٢٥٠ مليون دولار إلى منطقة غربي أفريقيا عبر منطقة الساحل». ولفتت الانتباه إلى أن «عائدات التهريب تفوق ميزانيات العديد من دول المنطقة».
وما يساهم في تفاقم الأزمة هو ارتفاع وتيرة الهجرة من منطقة الصحراء، ذلك أن المهاجرين ينتقلون نحو الشرق الأوسط وأوروبا، على حدّ سواء. وما دامت المخاطر تتضاعف، فإن الحدّ من الهجرة يبدو مستعصياً. وتعتبر هذه الظاهرة خطيرة، لأن ٦٠ في المئة من الأشخاص الذين يتمّ تهريبهم، هم من الأطفال.
وأنهت سيلاسي تقريرها بالدعوة إلى ضرورة تطبيق خطوات ضرورية وعاجلة في منطقة الساحل، على رأسها دفع تحسين الأوضاع السياسية لحكومات المنطقة بمراعاة احترام حقوق الإنسان والعمل على إنشاء نظام تعاون وتكامل إقليمي يشمل النواحي الاقتصادية والاجتماعية ولا يقتصر على الجوانب الأمنية.