علت أصوات الشجب والإدانة، أمس، لما ورد في تقرير الكونغرس الأميركي حول أساليب التعذيب التي استخدمتها وكالة الاستخبارات الأميركية (سي اي ايه) في استجواب المشتبه فيهم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول. وكان من أبرز هذه الإدانات ما نشر على حساب منسوب إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيراني، علي خامنئي، الذي قال إن هذا التقرير أظهر الحكومة الأميركية «كرمز للطغيان ضد الإنسانية».
وجاء في تغريدة أخرى على الحساب ذاته: «انظروا إلى الطريقة التي تعامل بها الإنسانية من قبل القوى المهيمنة بالدعاية البراقة وباسم حقوق الإنسان والديموقراطية والحرية»، فيما أضافت تغريدة لاحقة: «يزعمون أن لديهم أمة يفخرون بها، الحكومات الأميركية انتقصت من شعبها الذي لم يكن على علم بحقائق كثيرة وضللته».
ودعت الصين الولايات المتحدة إلى «إصلاح أساليبها». وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية، هونغ لي، في مؤتمر صحافي دوري «الصين تعارض التعذيب بشكل مستمر». وأضاف: «نعتقد أن الجانب الأميركي يجب أن يفكر في نفسه ويصحّح طرقه ويحترم المواثيق الدولية ويلتزم بها».
أما على الطرف الآخر، فقد أشاد الاتحاد الأوروبي بنشر التقرير ورأى فيه «مرحلة إيجابية». وقالت المتحدثة باسم القسم الدبلوماسي في الاتحاد الأوروبي، كاترين راي، في لقاء إعلامي، إن التقرير «يثير أهمية القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان من السلطات الأميركية وأشخاصاً يعملون لمصلحة وكالة» الاستخبارات المركزية الأميركية.
من جانبه، ندّد وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، بممارسات التعذيب التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميريكية، واصفاً إياها بأنها «انتهاك خطير للقيم الديموقراطية». وقال شتاينماير، في مقابلة تنشر اليوم، إنه «يجب ألا يتكرر هذا الانتهاك الخطير لقيمنا الديموقراطية والليبرالية».
الرئيس الأفغاني، أشرف غني، أدان بدوره التعذيب الذي مارسته الـ«سي اي ايه»، معتبراً أنه انتهاك لجميع مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الأميركية، الأمر الذي أشار إليه أيضاً رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون. فقد أكد عقب لقائه نظيره التركي، أحمد داود أوغلو، في أنقرة أن «التعذيب خاطئ، وسيبقى على الدوام أمراً مخالفاً للصواب».
كذلك، أدانت هيئات دولية عدّة ممارسات وكالة الاستخبارات. وطالبت منظمة «العفو» الدولية الولايات المتحدة الأميركية بمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب «انتهاكات»، فيما قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، إنه لا ينبغي وجود حصانة لأحد أو إسقاط عقوبات بالتقادم عن التعذيب. وأشار في بيان، إلى أن اتفاقية مناهضة التعذيب تحظر التعذيب ولا تسمح «بأي ظروف استثنائية من أي نوع»، بما في ذلك حالة الحرب كمبرّر للجريمة.
وأمس، أقرّ الرئيس البولندي السابق، ألكسندر كواسنيفسكي، للمرة الأولى أمس، بأنه سمح لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بإدارة مركز استجواب سري في بلاده، لكنه نفى أنه علم بوجود سجناء يعذّبون هناك.

في الداخل الأميركي

على الرغم من أن تقرير مجلس الشيوخ يدين، بوضوح، إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، إلا أن بعض الجمهوريين على غرار السيناتور، جون ماكين، أيدوا نشر التقرير.
وقال ماكين، في كلمة ألقاها في مجلس الشيوخ مباشرة بعد صدور التقرير: «لقد دفعت بشدة في اتجاه إصدار التقرير الذي تأخر طويلاً»، فيما عبّر أحد المقرّبين من ماكين، السيناتور ليندسي غراهام، عن شعوره «بالقلق من صدور مثل هذا التقرير الآن»، معتبراً أن «هناك توقيتاً آخر أفضل من الآن، انظروا إلى وضع العالم الآن لتعرفوا أني على حق».
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، جوش ايرنست، إن «إحدى أقوى الأدوات الموجودة في ترسانتنا لحماية مصالحنا ورعايتها حول العالم هي السلطة الأخلاقية للولايات المتحدة الأميركية»، مؤكداً أن «نشر تقرير يصف أساليب الاستجواب الوحشية، خطوة مهمة لاستعادة تلك السلطة».
لكن مجموعة من كبار المسؤولين السابقين في وكالة الاستخبارات رفضت ما توصلت إليه اللجنة التابعة للكونغرس. وكتب مديرون سابقون للاستخبارات المركزية هم، جورج تينيت وبورتر جروس ومايكل هايدن إلى جانب ثلاثة من نواب المديرين السابقين، في افتتاحية نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن «تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، جانبه الصواب حين قال إن الوكالة انتهجت سياسات مضللة بشأن عملها بعد هجمات 11 أيلول 2001 على الولايات المتحدة».
وأضافوا: «قدمت لنا اللجنة، دراسة أحادية الجانب تشوبها الأخطاء على صعيد الحقائق والتفسير. هو عمل لم يعد جيداً وهجوم حزبي على الوكالة التي بذلت أقصى ما في وسعها لحماية أميركا بعد هجمات 11 أيلول».
وشدد مسؤولو الـ«سي.آي.ايه» السابقون على أن الولايات المتحدة ما كانت لتتمكن من اقتفاء أثر زعيم تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، وقتله عام 2011، لولا المعلومات التي حصلت عليها من خلال برنامجها للاستجواب.
من جانبها، اعتبرت صحيفة «ذي واشنطن بوست»، أن نشر التقرير في خضم الحرب التي تقودها أميركا عمل طائش إلى حد بعيد، بالنظر إلى موقف أفراد الاستخبارات المشاركين في برامج أخرى». أما مجلة «فورين بوليسي»، فقد أشارت إلى أن «التقرير المذكور يستحق النشر لكنه ما زال مليئاً بالثُّغَر، لأن ضحايا التعذيب لم يلتقِهم محققو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ولم يقوِّم التقرير أساليب الاستجواب المثيرة للقلق التي تستخدمها وزارة الدفاع الأميركية على عدد أكبر من المعتقلين». لكنها أكدت أن «الأمر سيحتاج إلى محاسبة عامة في المدى الذي غطت أو عتمت فيه الاستخبارات المركزية على أنشطتها في السجون السرية».

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)