«اختير تشاك هاغل بدايةً وزيراً للدفاع لكي ينفذ رغبة الرئيس باراك أوباما بالانسحاب من مستنقع حروب الشرق الأوسط. لكن لسوء حظّ هاغل، شاءت الظروف السياسية أن تعيد الولايات المتحدة إلى المنطقة وأن تغمسها مجدداً في مشاكلها وصراعاتها... لذلك ما عاد الوزير مناسباً للمهمة الجديدة». هكذا فسّر بعض المحللين الأميركيين سبب استقالة وزير الدفاع التي أعلنت قبل يومين.
الاستقالة التي وصفها البعض بـ»التنحية»، وآخرون اعتبروها «طرداً»، جاءت إذاً حسب البعض كـ»نتيجة طبيعية» لتغيّر الخطط السياسية وتبدّل الاستراتيجية التي وضعها أوباما وفريق عمله منذ سنوات. يذكر أن أوباما كان قد اختار الوزير الجمهوري «بسبب تشاركهما المبادئ نفسها حول ضرورة وقف الحروب والانسحاب من أفغانستان وتشكيكه في الحرب على العراق وتفضيله عدم إرسال الجنود إلى أي معركة جديدة، إلا عند الضرورة القصوى».
وبغض النظر عن أسباب أوباما المباشرة التي دفعته إلى التخلّي عن وزيره، اتفق المتابعون على أن رحيل هاغل لن «يقوّم» سياسة الإدارة الخارجية التي تشوبها الفوضى والفشل في العراق كما في سوريا. لماذا؟ لأن «سبب الفشل» ذاك «ليس هاغل، بل استراتيجية أوباما نفسها وقرارات مستشاريه السياسية»، علّقت بعض المصادر في عدد من مقالات أمس.
قد تكون المنطقة خسرت مسؤولاً ينبذ
كلّ صراعاتها


كيف ستنعكس استقالة هاغل على أوضاع الشرق الأوسط؟ عموماً، قد تكون المنطقة المشتعلة بالصراعات خسرت مسؤولاً أميركياً اتُّهم سابقاً بـ»كرهه لإسرائيل وتعاطفه مع الفلسطينيين» بسبب بعض مواقفه غير المنحازة كليّاً إلى السياسة الإسرائيلية، كذلك نسب إليه «نبذه لكل صراعات الشرق الأوسط».
وهنا لفت البعض إلى غياب موقف هاغل عن معظم القرارات المصيرية التي اتخذها أوباما بشأن سوريا، وخصوصاً في فترة تهديده بتنفيذ ضربة عسكرية عام ٢٠١٣ ثم عدوله عنها. انتظر الوزير فترة طويلة (أكثر من سنة) قبل أن يشهر موقفاً حازماً من خلال «مذكّرة وجهها إلى مستشارة الأمن القومي سوزان رايس» ادعى الإعلام الأميركي أنها سرّبت له منذ أسابيع، وفيها انتقد الوزير أداء البيت الأبيض تجاه الأزمة السورية. ما سرّب عن المذكّرة يفيد بأن الوزير لم يكن راضياً عن «ضبابية الموقف الأميركي الرسمي حيال النظام السوري» ودعا إلى وضع خطة محكمة لـ»إسقاط نظام بشار الأسد ومحاربة داعش في آن واحد».
بعد غرقه في مستنقع الحرب الأهلية السورية وتوسيع إطار التدخل الأميركي لمواجهة «داعش»، كان البيت الأبيض بحاجة إلى «شخصية قادرة على مواجهة انتقادات الكونغرس وغيره، وإقناعهم بأن لديه استراتيجية قوية وفاعلة حيال سوريا. هاغل لم يكن قادراً على تأدية ذلك الدور بنظر البيت الأبيض»، شرح البعض. تبدّل الاستراتيجيات الكبرى ورغبة البيت الأبيض بكسب معركة العقول والقلوب خصوصاً حول سوريا، هو ما أطاح هاغل إذاً، بالنسبة إلى هؤلاء.
«لعلّ من غير المبالغ فيه، القول إن هاغل تسلّم وزارة الدفاع في أسوأ توقيت عرفناه منذ ٢٠ سنة»، قال مساعد سابق لوزير الدفاع. وأضاف: «اختار هاغل (في زحمة الملفات) أن يكون محارباً صامتاً بينما أراده البعض أن يكون مشجّعاً صاخباً».
بعض المحللين ردّوا سبب تراجع هاغل عن «واجهة» الملف السوري ـ العراقي إلى أن الوزير «كان يفضّل التركيز على ملفات الإصلاحات في البنتاغون وتغيير بعض سياساته وعلى الميزانية الدفاعية أكثر من الغوص في سوريا والعراق».
ما هو الدور الجديد المطلوب من وزير الدفاع الذي سيخلف هاغل إذاً؟ وهل ستتغير الخطط الأميركية فعلياً على الأرض في سوريا والعراق؟ لا إجابات واضحة بعد، لكن المؤكد أن أوباما سيعتمد في المرحلة القادمة على شخصيات مثل جون كيري في الملف النووي الإيراني وعلى فريق «مجلس الأمن القومي» ومستشارته سوزان رايس لوضع ما سماه، بعد إعلان استقالة هاغل بساعات، «أجندة سياسة خارجية طموحة»!