سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ الأميركي ورسخوا غالبيتهم في مجلس النواب، بتحقيقهم الفوز في الانتخابات النصفية التي جرت يوم الثلاثاء، والتي جسدت بنتائجها خيبة أمل الأميركيين حيال الرئيس باراك أوباما وحلفائه الديموقراطيين.
وبهذه النتيجة، بات أوباما أمام تحدّ جديد في ظل سيطرة خصومه بالكامل على الكونغرس، ما سيخوّلهم نسبياً إملاء الأجندة البرلمانية للسنتين الأخيرتين من ولايته الثانية. وسيكون بإمكان الجمهوريين شلّ، بل وإيقاف، سياسات الرئيس أوباما في العامين الباقيين له في الحكم. كذلك يمكن الحزب تعطيل قدرة الرئيس على تعيين القضاة الفيدراليين، وأعضاء الحكومة، وكبار المسؤولين الحكوميين. ودفعت النتائج الرئيس الأميركي إلى الإعلان أنه عازم على التعاون مع خصومه الجمهوريين، وأضاف، خلال مؤتمر صحافي: «أتطلع الى العمل مع الكونغرس الجديد لكي يكون العامان المقبلان بناءين بأفضل ما يمكن».

خريطة الكونغرس الجديد

بعد الاقتراع لتجديد أكثر من ثلث المقاعد، ارتفع تمثيل الجمهوريين في مجلس الشيوخ إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، بعدما انتزعوا سبع ولايات من الديموقراطيين (اركنسو وكولورادو وأيوا ومونتانا وكارولاينا الشمالية وداكوتا الجنوبية وفرجينيا الغربية)، فازداد عدد مقاعدهم من 45 مقعداً إلى 52، على الأقل، من أصل مئة، فيما بات الديموقراطيون، الذين كانوا يسيطرون على مجلس الشيوخ منذ عام 2006، يشغلون 44 مقعداً، إضافة إلى سناتور مستقل. واستكمالاً لهذه النتائج، ستنظم دورة ثانية في السادس من كانون الأول في لويزيانا (جنوب)، إن لم يحصل أي من المرشحين على العتبة المحددة بـ50%.
أما في مجلس النواب، الذي يتألف من 435 مقعداً، والذي تمّ تجديده بالكامل خلال هذه الانتخابات، فقد كسب الجمهوريون عشرة مقاعد على الأقل. وبانتظار النتائج النهائية، يبدو أنهم باتوا يشغلون 235 مقعداً على الأقل، مقابل 233 (ومقعد شاغر) في المجلس المنتهية ولايته.
وبعد إعادة انتخابه، أعلن السناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، الذي أصبح زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، أن الفوز جاء «ضد حكومة لم يعد الشعب يثق بها». وقال إن «هذه التجربة القائمة على توسيع دور الدولة دامت أكثر مما ينبغي. حان الوقت لتبديل الوجهة، حان الوقت لإعادة البلاد إلى السكة».
وفي المقابل، أقرّ الرئيس الحالي للغالبية الديموقراطية هاري ريد، بأن «رسالة الناخبين واضحة: يريدوننا أن نعمل معاً».
وبعدما كان الكونغرس قد شهد حالة شلل، خلال العام الماضي، إلا أن المحللين يقولون إن الوضع قد يزداد سوءاً قبل انتخابات الرئاسة عام 2016. ولكن في ظل إصرار القادة الجمهوريين على الاستمرار في أولوياتهم السياسية، قد يضطر الرئيس أوباما إلى التفاوض معهم وفق شروطهم.

العلاقة مع البيت الأبيض

برغم أن من غير المعروف بعد كيف سيوظف الجمهوريون غالبيتهم في الكونغرس، إلا أن مسؤولي الحزب يعون أن باراك أوباما لا يزال يمسك بسلطة النقض ولن يصدر على الأرجح قوانين تقضي على ورش رئاسته الكبرى، بدءاً بإصلاح الضمان الصحي الذي يطلق عليه اسم «اوباماكير». غير أن الخلافات داخل الحزب الجمهوري تبقى حادة، وليس هناك أي بوادر تشير إلى أن أعضاء حركة «حزب الشاي» المحافظة المتطرفة مثل السناتور عن تكساس تيد كروز، على استعداد لمدّ اليد إلى الديموقراطيين.
ورغم ذلك، يمكن اعتبار نتائج هذه الانتخابات على أنها جاءت بمثابة تحذير وجهه الأميركيون، الذين سئموا الصراع البرلماني المستمر منذ أربع سنوات بين الجمهوريين والديموقراطيين والذي منع الكونغرس المنقسم من إقرار أي إصلاح كبير، ولا سيما في موضوع الهجرة التي تبقى ملفاً ساخناً مع وصول عدد المهاجرين المقيمين بصفة غير شرعية في الولايات المتحدة إلى أكثر من 11 مليوناً.
ويباشر الكونغرس الجديد ولايته في الثالث من كانون الثاني، على أن يواصل الأعضاء الحاليون مهماتهم إلى ذلك الحين.
وبذلك ينهي الرئيس ولايته متعايشاً مع الحزب المخاصم له في مجلسي الكونغرس، وهو وضع واجهه قبله كل من جورج بوش وبيل كلينتون وجورج بوش الأب ورونالد ريغان، حيث تتخذ الانتخابات النصفية تقليدياً شكل عقوبة ضد الحزب الحاكم في البيت الأبيض.

...سوريا وإيران

سيكون على الرئيس باراك أوباما بعد الهزيمة التعامل مع كونغرس يهيمن عليه طرف ينتقد بشدة سياسته الخارجية خصوصاً في ملف ايران، لكن سلطات البرلمانيين تبقى محدودة. وعلاوة على الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن برنامج إيران النووي، هو الملف الأول في السياسة الخارجية في جدول أعمال الكونغرس، في الوقت الذي يفترض فيه أن تنتهي مفاوضات إيران مع الدول الست نظرياً في 24 تشرين الثاني الحالي.
وكان أوباما حتى اليوم طليق اليدين. وبفضل حلفائه الديموقراطيين في مجلس الشيوخ، فقد نجح في وقف مشاريع عقوبات جديدة قدمها نواب يشككون في نيات الإيرانيين. فكونغرس يهيمن عليه الجمهوريون لن يكون طيعاً في حال قبول الرئيس أوباما تمديد المفاوضات مع إيران إلى ما بعد تشرين الثاني. وقال مصدر جمهوري في الكونغرس إن «من الصعب تخيل قبول التمديد من قبل الكونغرس دون عواقب ضد إيران»، مضيفاً: «هناك توافق كبير نسبياً في واشنطن، مفاده أن إيران لا تتعرض لضغط كاف».
وبحسب هذا المسؤول، فإن برلمانيي المعسكرين يبحثون بشكل مكثف في الكواليس، وذلك للتحرك مع تولي الكونغرس الجديد مهماته في كانون الثاني المقبل.
وقال مارك دوبوفيتس، وهو الخبير المؤيد لفرض عقوبات معززة على إيران ولديه اتصالاته في الكونغرس: «إذا مُدِّدت المفاوضات مع إيران دون التوصل إلى نتيجة ملموسة، فإن الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونغرس سيردون على ذلك بشكل أو بآخر». ويمكن اعتماد نص أعده الرئيس الديموقراطي للجنة الشؤون الخارجية، روبرت ميننديز، والجمهوري، مارك كيرك. وأضاف انه قد تُفرض عقوبات «آلية» على ايران في موعد يحدد سلفاً في حال فشل المفاوضات بهدف منع ايران من اللعب على عنصر الوقت.
لكن قلة من يتوقعون ان يطلب اوباما مصادقة الكونغرس. وقال مارك دوبوفيتس انه «لن يسمح لمجموعة من اعضاء مجلس الشيوخ والبرلمانيين يفسدون عليه موعده مع التاريخ»، وهو ما قد يؤدي الى مواجهة منذ بداية اعمال الكونغرس الجديد.
من جهته، قال غوردن ادامز، وهو استاذ العلاقات الدولية في الجامعة الاميركية وكان قد عمل في البيت الابيض مع الرئيس الأسبق بيل كلينتون: «بالتأكيد النواب سيصرخون في كل الاتجاهات وسيحاولون بالتأكيد التصويت على تعزيز العقوبات وان يقولوا لا للادارة» الاميركية. وأضاف: «لكن هناك مشكلة، فالرئيس سيستخدم حق النقض». وبحسب ادامز فإنه في نهاية المطاف «ليس مجلس الشيوخ من يحدد السياسة، انه يراقب وينتقد».
كما ان الجمهوريين سيستخدمون مجلس الشيوخ ارضية لانتقاد استراتيجية اوباما ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» في العراق وسوريا، حتى وإن كانوا يشاطرونه الهدف النهائي، بحسب ما قال المحلل وليام ماكانتس. واوضح: «سينتقدون ما قامت به الادارة لتسليح المتمردين والتعبير عن شكهم في تطمينات الادارة بأنها كانت فعالة جداً في مستوى انشاء معارضة ذات صدقية لـ (نظام الرئيس السوري بشار) الاسد».
ويرى بوب كوركر، الذي سيدعى لتولي لجنة الشؤون الخارجية، انه «ليس هناك استراتيجية» بشأن سوريا. لكن الجمهوريين كما الديمقراطيون، لا يتحدثون جميعهم بصوت واحد فهناك صقور مقربون من جون ماكين ونواب آخرون أقل ميلاً للعمليات خارج الولايات المتحدة.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)