ينتظر الرئيس الأميركي باراك أوباما، اليوم، النتائج كغيره من الأميركيين، وأيضاً كحلفائه وأعدائه حول العالم. هل سيسيطر الجمهوريون على الكونغرس في الانتخابات النصفية؟ استطلاعات الرأي أكدت ذلك، لترافقها سيناريوات الحقبة المقبلة التي ستخوضها السياسة الأميركية الداخلية والخارجية، انطلاقاً من فكرة أن ما بعد الرابع من تشرين الثاني 2014 لن يكون كما قبله.
تجربة جديدة سيعيشها ساكن البيت الأبيض. هو سيبقى نفسه، فريقه قد يتغيّر بملء إرادته، ولكنّ داعمي سياسته وقراراته ومسهّلي تطبيق خططه في الكونغرس لن يكونوا أنفسهم، وهذا الأمر خاضع لإرادة الناخبين الذين استجدّ لديهم، خلال ولاية أوباما الثانية، استياء وامتعاض من طريقة إدارته الملفات الداخلية، وحتى الخارجية.
استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى أن الرئيس الأميركي سيكون مضطراً إلى التعامل مع اليمين والصقور، الأكثر تشدداً، عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. وهذه الاستطلاعات لم تكن مشجّعة في ما يتعلق بالقضايا الداخلية.
وبحسب «ذي واشنطن بوست»، فرغم الإصلاحات التي سعت إدارة أوباما إلى إتمامها، رأت الغالبية الساحقة من الأميركيين أن البلاد انحرفت بشدة عن مسارها الاقتصادي الذي صنفته بشكل سلبي، بناءً على الانطباع بأنه لا يمكن الوثوق بالحكومة للقيام بما هو صائب. ولكن غالبية جمهورية في الكونغرس قد تساعد أوباما على تحقيق طموح اقتصادي خارجي، يتمثل في إتمام اتفاقيات التبادل الحر وتحقيق أجندة التجارة العالمية، التي تواجه معارضة شديدة داخل حزبه، ولكنها قد تلقى قبولاً لدى الجمهوريين.
أما في إطار السياسة الخارجية، واستناداً إلى السخط النابع من حملة تعبئة إعلامية انتهجها الجمهوريون معتمدين على عدّة قضايا تحوّلت بالنسبة إلى الأميركيين إلى أزمات (كمحاربة وباء الإيبولا ومواجهة تنظيم «داعش»)، فقد أفاد استطلاع نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن 52% من الأميركيين يحبذون فكرة خروج نتائج انتخابات الكونغرس لمصلحة الجمهوريين، فيما فضّل 41% أن تكون لمصلحة الديموقراطيين.
ومن بين المستطلعين، سجّل 57% اعتراضهم على طريقة استجابة الإدارة الأميركية لخطر «الدولة الإسلامية»، في حين وافق 40% على طريقة تعامل واشنطن مع الوضع.
ولكن الحزب الجمهوري، على غرار منافسه الديموقراطي، منقسم بين أجنحته التي تدعو إلى التدخل وتلك التي تنادي بالعزلة. ففيما يطالب فيه كثيرون بإجراء نقاش حول السماح باستخدام القوة ضدّ «جهاديي» تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أن النتيجة ما زالت غير مؤكدة، خصوصاً أن رئيس مجلس النواب، جون بوهنر، أرجأ هذا النقاش إلى أن يتسلم النواب الجدد مهماتهم في كانون الثاني.
تبقى المفاوضات النووية بين مجموعة «5+1» وإيران، الملف الخارجي الأكثر سخونة وإثارة للجدل في العلاقة بين الرئيس الأميركي وأعضاء الكونغرس، خصوصاً الجمهوريين منهم. ففي مستهل عام 2014، حاول عدد كبير من هؤلاء وغيرهم من الديموقراطيين التصويت على عقوبات اقتصادية جديدة ضد إيران، ولكن زعيم الأكثرية الديموقراطية، هاري ريد، عرقل المحاولة بناءً على طلب البيت الأبيض.
إذاً كيف سيتمكن أوباما من تمرير اتفاق نووي، إذا سيطر الجمهوريون على الكونغرس وقاموا برفض تمديد المفاوضات إلى ما بعد التاريخ المحدد في 24 تشرين الثاني أو حتى تخفيف جديد للعقوبات؟
البعض يرى أن التأخير في إتمام الاتفاق في الوقت المحدد قد يكون له نتائج سلبية، تتمثل في إعطاء عدد من أعضاء مجلس الشيوخ المتشددين الفرصة لإحباط أي اتفاق آخر ممكن بعد ذلك. وحتى لو كان هناك إمكانية أمام أوباما لمنع أي عقوبات، إلا أن الانتخابات الرئاسية عام 2016 تحكم الأعضاء الديموقراطيين كما تحكم الجمهوريين. وبالتالي، فإن إمكانية تخطّي الفيتو الذي قد يستخدمه الرئيس، كبيرة جداً، بحسب ما يعتبر الكاتب في صحيفة «بوسطن غلوب» مايكل كوهين الذي لفت إلى أن الأعضاء الديموقراطيين في الكونغرس، خصوصاً منهم الذين سيترشحون للانتخابات الرئاسية، سيخضعون لضغوط سياسية هائلة من قبل منظمة «آيباك» الإسرائيلية، ما سيضع أوباما أمام معادلة يمكن أن تفقده دعم حزبه. وبناءً على ذلك، يرى كوهين أن عدم حصول اتفاق سيؤدي إلى رفع مستوى التوتر في المنطقة، وزيادة الضغوط على الولايات المتحدة من أجل القيام بعمل عسكري.
حتى هذه اللحظات، ما زال لدى باراك أوباما دعم الديموقراطيين لمنع أي اقتراحات يقرّها مجلس النواب. أما إذا سيطر الجمهوريون، فقد يضطر إلى الاعتراض على كل مشروع قانون يرسله إليه الكونغرس، «ما قد يؤدي إلى شلل سياسي يسرّع في شيب شعر الرئيس الأميركي»، بحسب مجلة «ذي إيكونوميست»، الأمر الذي ينذر بالخطر بالنسبة إلى حلفاء أميركا حول العالم. الحل لذلك قد يكون في أن يسعى الجانبان إلى إيجاد أرضية مشتركة، تمكنهما من تمرير بعض التدابير المعقولة. فوسط كل هذا التشاؤم، هناك من يتحدث عن أن سيطرة الجمهوريين على الكونغرس ستؤدي إلى نتائج إيجابية، قد تتمثل في منحهم الشعور بتقاسم المسؤولية إزاء أي قرار يتخذ أو يعرقل، وبالتالي إدراكهم تبعات ذلك على الانتخابات الرئاسية المقبلة.