كشف تحقيق مطوّل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أول من أمس، عن أن العديد من المؤسسات البحثية البارزة والمعنية بالسياسة الدولية كانت تتلقى على مدار السنوات العشر الماضية ملايين الدولارات من الحكومات الأجنبية، مقابل دفع المسؤولين في الحكومة الأميركية إلى تبني سياسات تعكس أولويات الدول المموّلة.
وأوضح التقرير، الذي شارك في كتابته إريك ليبتون وبروك ويليامز ونيكولاس كونفيسور، أن معظم هذه المنح التي تأخذ أشكالاً عدة تأتي من دول أوروبية وشرق أوسطية وآسيوية، وخاصّة من الدول المنتجة للنفط، كالإمارات العربية المتحدة وقطر والنروج.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه المعاهد لا تكشف عن بنود الاتفاق الذي تتوصل إليه مع الحكومات الأجنبية، كذلك لا يُسجَّل ممثلوها لدى الحكومة الأميركية، الأمر الذي يشكل انتهاكاً، في بعض الأحيان، للقانون الفدرالي.

ميشال ديون
تركت منصبها بضغط
من بهاء الحريري


وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن صناع السياسة في الولايات المتحدة الذين يعتمدون على هذه المعاهد لا يدركون في أغلب الأحيان دور الحكومات الأجنبية التي تموّل الأبحاث. ونقلت عن المحامي جوزف ساندلر قوله، إن الترتيبات بين الدول المانحة والمعاهد الدولية «فتحت نافذة جديدة حول وجه من أوجه شراء التأثير في واشنطن، الذي لم يكن مطروحاً سابقاً».
وبحسب تقرير «نيويورك تايمز»، فقد طال التمويل المعاهد الدولية الأميركية الأكثر تأثيراً، من بينها معهد «بروكينغز»، «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» و«المجلس الأطسلي».
وفي السياق، لفتت الصحيفة الانتباه إلى أن كل واحد من هذه المعاهد هو من أكبر المتلقين للتمويلات الخارجية، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن «هذه المعاهد تصدر الكتابات البحثية وتستضيف المؤتمرات وتحضّر الإحاطات لكبار المسؤولين في الحكومة الأميركية، بطريقة تتناسب مع أجندة الحكومة الأجنبية».
وفي إطار التحقيق، تحدثت «نيويورك تايمز» عن «مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط» التابع لـ «المجلس الأطلسي»، والذي «أنشأ بهبة سخية من الابن الأكبر بهاء الحريري وبدعم من العائلة في عام 2011».
ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أنه عقب الإطاحة بحكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، في صيف 2013، شعرت مديرة المركز ميشيل ديون، بأن هناك حدوداً لاستقلاليتها. وبحسب مسؤولين تنفيذيين على علاقة مباشرة بالحدث، فإنه «بعدما وقعت ديون على عريضة وشهدت أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس داعية الولايات المتحدة إلى إيقاف المساعدات العسكرية لمصر وواصفة خلع مرسي بالانقلاب العسكري، اتصل بهاء الحريري بالمجلس الأطلسي متذمراً»، لتترك ديون بعدها بأربعة أشهر «المجلس الأطلسي»، وفق الصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم استباد ميشيل ديون بفرانسيس ريتشاردوني، الذي عمل كسفير للولايات المتحدة في مصر خلال حكم حسني مبارك، والذي انتقد سابقاً من قبل المحافظين وناشطي حقوق الإنسان، لأنه كان مراعياً لحكم مبارك.
وعلى خط مواز، أشار تقرير «نيويورك تايمز»، إلى أن الإمارات، التي تعتبر من أكبر داعمي «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قدّمت تبرعات تصل إلى أكثر من مليون دولار للمساعدة في بناء المقر الجديد للمركز، الذي لا يبعد كثيراً عن البيت الأبيض». أما قطر، الدولة الشرق الأوسطية الصغيرة والثرية، فقد وافقت العام الماضي، بحسب التقرير، على تقديم تبرعات لـ«معهد بروكينغز» على مدى أربع سنوات «تصل إلى أكثر من 14.8 مليون دولار، الأمر الذي الذي ساعد في تمويل المعهد التابع لبروكينغز في قطر ومشروع متعلق بالعلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي».
ووفق كاتبي التحقيق، فإن هذه الأموال تُسهم في «تحويل هذه المؤسسات الرصينة إلى سلاح في أيدي الحكومات الأجنبية للضغط على واشنطن». فقد أشار بعض الباحثين إلى أن المنح أدت إلى اتفاقات ضمنية تفرض عدم تعرّض المجموعات البحثية للدول المانحة بأي انتقاد. ونقلت الصحيفة عن عدد من الباحثين قولهم إنهم «تعرضوا لضغوط من أجل التوصل إلى خلاصات (في بحوثهم) قريبة من رؤى الحكومة التي تموّل البحث».
وفي هذا السياق، نقلت «نيويورك تايمز» عن الباحث سليم علي الذي عمل في معهد «بروكينغز» في الدوحة، قوله إنه «إذا استخدم أحد أعضاء الكونغرس تقارير بروكينغز، فعليه أن يدرك أنه لن يحصل على القصة كاملة»، مضيفاً أنّ «من الممكن أن لا يحصلوا على رواية خاطئة، لكنهم لن يحصلوا على القصة الكاملة». وتشير الصحيفة إلى أنه طُلب من سليم علي، خلال مقابلة العمل مع معهد «بروكينغز»، أن لا يتخذ موقفاً نقدياً من الحكومة القطرية في أبحاثه.
لكن في مقابل ذلك، دافع كبار المسؤولين في المعاهد الدولية بقوة عن الترتيبات مع الدول الأجنبية، حيث أكدوا أن هذه الأموال لا تؤثر في سلامة الأبحاث، مشيرين إلى أن تلاقي آراء الباحثين مع الدول المانحة هو من قبيل الصدفة.
ومن هؤلاء نائب الرئيس ومدير برنامج السياسة الخارجية في معهد «بروكينغز» مارتن انديك، الذي قال للصحيفة إن «عملنا هو التأثير في السياسة من خلال أبحاث علمية ومستقلة، مبنية على معايير موضوعية»، وأضاف أنه «كي نكون على صلة بالسياسة، نحن بحاجة لإشراك صناع السياسة».
(الأخبار)