قد يكون توافق حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» على اختيار أكمل الدين إحسان أوغلو مرشحاً للرئاسة التركية، أوضح تجسيد لمأزق المعارضة العلمانية في تركيا. بعد تحالف الحزبين مع تيارات إسلامية كجماعة الداعية فتح الله غولن، في الانتخابات المحلية في آذار الفائت، لجأ أكبر حزبين في المعارضة التركية، في الاستحقاق المرتقب الأحد المقبل، إلى المبدأ نفسه: محاربة أردوغان بهويته لا بهويتها.
إذ يبدو أن «حزب أتاتورك»، باني الجمهورية التركية ومؤسس الهوية التركية الحديثة، لم يعد «يجرؤ» على ترشيح شخص يحمل مبادئ الحزب لرئاسة البلاد، ما يعني أنه حتى وإن فاز إحسان أوغلو، المعارضة خاسرة.
إحسان أوغلو (70 سنة)، المنافس الجدّي الوحيد لأردوغان، شغل منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي بين عامي 2005 و2014. يصف نفسه بـ«الإسلامي المعتدل»، ويرى أتاتورك بطلاً قومياً. يؤمن بفصل الدين عن الدولة، يحترم الحجاب والسفور على حدّ سواء. «خلطة» كافية كي ينال رضا أكثر من جهة. لكنّه بلا شك نموذج جاذب للغرب، الذي احتلّ حيزاً كبيراً من مؤلفات إحسان أوغلو حول حوار الحضارات وعلاقة الغرب بالعالم الإسلامي.
تعرّف الرأي العام التركي إليه في المرة الأولى بعد انقلاب أيلول 1980، حين أسس إحسان أوغلو «مركز البحوث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية»، الذي يراه البعض كأول تطبيق لنظرية «الإسلام المعتدل». يرمي المركز إلى «تعريف العالم إلى الثقافة والحضارة الإسلامية، وإلى تحسين التفاهم المتبادل بين المسلمين والأمم الأخرى»، بحسب الموقع الرسمي. كذلك يتهم البعض مشروع المركز بصلات وثيقة بالرياض «تهدف إلى نشر الإسلام الأميركي»، بعد انقلاب 1980، أي النموذج الإسلامي المتحالف مع واشنطن ومصالحها في العالم.
الرجل الذي ولد في مصر بعد إبعاد سلطات أتاتورك لوالده عن البلاد بسبب مواقفه السياسية، تخرّج في جامعتي الأزهر وعين شمس، قبل أن يكمل دراسته في الولايات المتحدة الأميركية. ثم أصبح الرئيس المؤسس لشعبة تاريخ العلوم في جامعة إسطنبول، وعضواً في جمعيات دولية ومؤسسات أكاديمية عدة.
«البروفيسور» مقتنع بأن على تركيا «التزام الحياد» بين فلسطين وإسرائيل.
ويرى، وفق تصريحات سابقة له، أن على بلاده «ألا تقف مع طرف ضد آخر، لأن ذلك سيسيء إلى العملية السلمية».
وافق على تعليق عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي في آب الماضي، علماً أن دمشق كانت من الداعمين لوصوله إلى الأمانة العامة في المنظمة. يرى الدبلوماسي الرفيع أن المنظمة عاشت «عصرها الذهبي» في ظل الدعم السعودي لها. وفي عام 2008 أيدت المملكة تمديد ولايته في المنظمة، بعد الإشادة به غير مرة. حافظ على علاقةٍ جيدة بأردوغان طوال السنوات الماضية. لكن عزل الرئيس المصري محمد مرسي في حزيران 2013 فرّقهما، حيث رأى أردوغان أن حليفه السابق دعم انقلاب عبد الفتاح السيسي.
في حال انتخابه رئيساً للبلاد، ستبدأ «الرحلة المقدسة لإعادة الاستقرار إلى تركيا»، وفق ما أعلن إحسان أوغلو الأسبوع الماضي من أنطاليا. في الخطاب نفسه، حذر من مشروع التقسيم الذي يكاد يصبح واقعاً في جوار تركيا، مهاجماً التسهيلات التي تقدمها أنقرة للمنظمات الإرهابية التي «تسرح وتمرح باسم الإسلام».