لم يتحقق ما توقعه معارضو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بشأن إحراجه بعد كارثة منجم «سوما» (غرب الأناضول). اعتقدت المعارضة التركية، بعد الكارثة التي أودت بحياة ثلاثمئة عامل، أن شعبية أردوغان ستتراجع. دعم خصوم أردوغان رأيهم بانتماء ضحايا المنجم إلى الشريحة التي صوتت لمرشحي حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات المحلية في آذار الماضي.
يتحول النقد السياسي في تركيا يوماً بعد يوم إلى صراع بين مؤيدي حزب «العدالة والتنمية» ومعارضيه. حادثه المنجم أظهرت استراتيجية جديدة لدى الحزب في الرد على الانتقادات التي وجهت إلى الحكومة. حيث أطلق الحزب ومناصروه تسمية «كارهي أردوغان» على منتقدي سياسية الحكومة. وبذلك، يتحول النقد إلى مسألة شخصية بحتة، بحيث تجري مقاطعة الصحافيين المعترضين، لينقطع أي حوار أو تواصل فعال.
منذ أحداث حديقة «غيزي»، قبل سنة، حتى أزمة الفساد في كانون الأول الماضي، ينتهج مؤيدو أردوغان «شخصنة» انتقاد الأداء الحكومي. ويقوم الإعلام الموالي لرئيس الوزراء باتهام المعارضة بـ «محاولة النيل منه شخصياً».
من جهته، يحمي أردوغان فريق عمله، إذ لم يُحاسَب أي من أعضاء الفريق أو أي متورط في قضية الفساد، كما أنه لم يسمح بمساءلة الإداريين المسؤولين عن أحداث ساحة تقسيم أو كارثة سوما، لا بل جرت ترقية البعض منهم!
يقدم «العدالة والتنمية» نفسه كمستهدف وكضحية لـ «مؤامرة»، ما يحتم «حماية» أردوغان. وفي البرلمان، رفضت الأكثرية طلب المعارضة محاسبة وزيرين في قضية المنجم، إذ يُعدّ كل نقد لسياسة الحكومة «عدائية» تجاه شخص أردوغان لكونه «يمثل الأمة».

لم يحاسب أردوغان
أي من أعضاء فريق عمله أو أي متورط في قضية الفساد
تكمن المشكلة الكبرى، اليوم، في محاولة تعميق الانقسامات الاثنية والمذهبية في البلاد. في هذا الإطار، يتهم أنصار «العدالة والتنمية» الأكراد والعلويين بالوقوف خلف التظاهرات المعترضة على حادثة المنجم.
يعتمد رئيس الحكومة الطامح للرئاسة بعد شهرين، سياسة «قلب الطاولة». يلتف بها على خصومه، بحيث يصبح «ضحية»، مستقطباً أصوات بعض الحياديين. يتهم المعارضين بـ «عدم الرغبة في الحوار» بعدما مدّ لهم يده، فيدّعي أن «الأردوغانوفوبيا» تتحكم فيهم، وفي أنهم لا يتحملون خسارة السلطة بعدما حكموا طويلا.
ويرى العلمانيون أن أردوغان لا يريد بناء شراكة وديموقراطية، وأنه «غير جاد» في دعواته إلى الحوار.
بل يعتقدون بأنه كلما حقق فوزاً جديداً ازداد تسلطاً. هو مستعد دائماً للقتال، إضافة إلى تدخله الكبير في الإعلام والثقافة والأعمال والقضاء وحتى في الحياة الشخصية للمواطن التركي. لقد بات أردوغان يتطلع إلى السلطة المطلقة، لا إلى الديمقراطية والليبرالية.
في ظل هذه الانقسامات، تطرح الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا هواجس لدى الحزبين المعارضين في البرلمان، إذ لم يجرِ لغاية اليوم اختيار مرشح قوي يثير قلق «العدالة والتنمية».
حزب الشعب الجمهوري العلماني وحزب الحركة القومية متفقان على محاولة منع أردوغان من الوصول الى قصر شنقايا، بسبب توجهاته السلطوية، لكنهم لغاية اليوم لم يقدموا مرشحاً قادرا على المنافسة. وليس واضحاً، حتى الآن، إذا كانوا يستطيعون ذلك، بعدما انعكست نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة إحباطاً لمعنويات العلمانيين الذين راهنوا على هزيمة أردوغان بعد كل الفضائح التي طاولته. فهل سيهتم الحزبان المعارضان بالاستحقاق الرئاسي في 10 آب، أم سيواجهانها باللامبالاة؟ في وقت حشد فيه «العدالة والتنمية» له، موجهاً أنظاره إلى الانتخابات البرلمانية في 2015.
ويبدو أن أردوغان الذي فرغ من همّ رئاسة البلاد، اطمأن أيضاً لاستمراره في رئاسة الحزب، بعدما أعرب رئيس الجمهورية عبد الله غول عن عدم رغبته في تولي قيادة الحزب أو رئاسة الوزراء. المعارضة من جهتها كشفت عن ضياعها وعجزها. هذا ما أظهرته تحركات حزب «الحركة القومية»، بعد محاولته إجراء مشاورات مع بعض الوجوه السياسية من أجل الاتفاق على مرشح للرئاسة.
ويتعذر الاتفاق على مرشح واحد بين حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية». حزب «الشعب» يريد مرشحاً علمانياً وحداثوياً لا يميز بين الإثنيات أو المذاهب. أما «الحركة القومية»، فتفضل رئيساً محافظاً. هذا النموذج يصعب العثور عليه في تركيا اليوم، حيث تسيطر الأيديولوجيا الإثنية والمذهبية التي بدأت تطفو على السطح في السنوات الأخيرة. وربما يكون المحافظون أقرب إلى «العدالة والتنمية» منهم الى «الشعب الجمهوري» العلماني.
يقول أردوغان إنه سيكون «رئيس الشعب»، غير أنه من الصعب أن يكون كذلك. الرجل الأوفر حظاً في الوصول إلى كرسي الرئاسة، متجذرٌ في انتمائه الإسلامي، كما أن قاعدة حزبه مؤمنة بأن ما يحاك ضد أردوغان هو «مؤامرة خارجية».