قرر القادة الأوروبيون، في اجتماع بالعاصمة البلجيكية بروكسل أمس، اتخاذ عقوبات إضافية بحق روسيا، وتجميد أموال 12 مسؤولاً روسياً وقرمياً، وإدراجهم على قائمة حظر السفر إلى دول الاتحاد، كما لوّحوا باللجوء إلى عقوبات اقتصادية أشمل، «في حال استمرار روسيا في التحركات المهددة لاستقرار أوكرانيا، لكنهم دعوا إلى التفاهم على نشر مراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، على نحو عاجل، وإلا فإن الاتحاد الأوروبي سيرسل مهمة للمراقبة إلى أوكرانيا.
كذلك قرروا إلغاء القمة الأوروبية الروسية التي كان من المقرر إجراؤها في حزيران المقبل.
وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في ختام اجتماع زعماء دول الاتحاد الأوروبي: «على روسيا أن تدرك أن ذلك لا يمكن أن يستمر، وعليها أن تختار طريق الحوار». وشدد هولاند أن القائمة الأوروبية تتطابق بدرجة كبيرة مع قائمة المستهدفين بالعقوبات الأميركية التي أعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما أول من أمس، مؤكداً أن زعماء دول الاتحاد كلفوا المفوضية الأوروبية إعداد المرحلة الثالثة من العقوبات ضد روسيا، وهي تتضمن قيوداً اقتصادية فعلية على التعاون الاقتصادي مع روسيا.
من جهة أخرى، أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أمس، أن فرنسا علّقت معظم أنشطة التعاون العسكري مع روسيا، وخصوصاً تبادل الزيارات والتمارين المشتركة.
وبحسب المقربين من الوزير، فإن «الاتصالات بين هيئتي الأركان في فرنسا وروسيا ألغيت».
إلا أن التجار الأوروبيين عموماً، والألمان خصوصاً، لا يتشاركون حماسة زعمائهم لجهة فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، حيث حذّرت أكبر رابطة تجارية ألمانية من أنه إذا تسبب تصاعد المواجهة بين موسكو وأوروبا بسبب أوكرانيا في فرض عقوبات اقتصادية، فإن أكثر من 6000 شركة ألمانية تقوم بأعمال مع روسيا ستتكلف خسائر كارثية.
وقال رئيس رابطة المصدرين الألمان انتون بورنر، لصحيفة دورتموندر رور ناخريشتن في مقابلة نشرت أمس، أن «حوالى 6200 شركة ألمانية تشارك في أعمال في روسيا، بعضها يشارك بقوة شديدة»، «بالنسبة إليهم ستكون العقوبات كارثة حقيقية».
وقال بورنر إن أسعار الطاقة سترتفع إذا طال أمد الأزمة، لكن من المستبعد أن تقطع موسكو كل إمدادات الطاقة لألمانيا، التي تستورد أكثر من 30 بالمئة من استهلاكها من النفط والغاز من روسيا.
في هذا الوقت، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، إن روسيا ستمتنع «في الوقت الراهن» عن اتخاذ عقوبات رداً على العقوبات التي أعلنتها واشنطن، واستهدفت مصرفاً ومسؤولين روس، حسبما ذكرت وكالات الأنباء الروسية.
ويأتي تصريح بوتين في الوقت الذي نشرت فيه موسكو أول من أمس، قائمتها للعقوبات ضد مسؤولين أميركيين فور إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما فرض عقوبات جديدة على موسكو، رداً على ضمها القرم. كذلك رأى بوتين أنه «ما من ضرورة لفرض تأشيرة دخول على المواطنين الأوكرانيين إلى روسيا، لأن ذلك سيؤثر في ملايين الأوكرانيين، الذين يعملون في روسيا، ويكسبون المال لدعم عائلاتهم».
وكان بوتين قد وقّع أمس قانوناً يستكمل عملية ضم القرم إلى روسيا.
في غضون ذلك، حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، من أن محاولات عزل روسيا «طريق مسدود»، غداة فرض واشنطن عقوبات جديدة على موسكو على خلفية ضم القرم.
وقال لافروف «إن السير على طريق من يعادون روسيا صراحةً، وعزل روسيا يُفضي إلى طريق مسدود»، مخاطباً مجلس الاتحاد في البرلمان الروسي الذي وافق على معاهدة ضم القرم إلى روسيا.
ورأى أن الولايات المتحدة بفرضها العقوبات «لا تتبع المنطق بل الرغبة في المعاقبة»، قائلاً «إنهم يستخدمون هذه الأداة لتأكيد هيمنتهم، لكنني أعتقد أنه يجدر تأكيدها بطريقة أخرى: من خلال القدرة على التوافق، القدرة على الدفاع عن العدالة في القضايا الدولية».
وعلّق لافروف على توقيع الشق السياسي من اتفاق الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي أمس، فقال «أعتقد أن هذا ليس إجراء تمليه مصالح الاقتصاد الأوكراني والشعب الاوكراني بكليته، بل محاولة لتسجيل نقاط في اللعبة الجيوسياسية».
وكان رئيس الوزراء الأوكراني الانتقالي ارسيني ياتسينيوك قد وقّع أمس مع القادة الأوروبيين، الشق السياسي من اتفاق الشراكة بين بلاده والاتحاد الأوروبي، الذي كان خلف الأزمة بين موسكو والغرب.
من جهة أخرى، شدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الأوكراني المعين ألكسندر تورتشينوف، ضرورة اتخاذ جميع الأطراف في أوكرانيا إجراءات لوقف الاضطهاد من جانب العناصر المتطرفين، داعياً جميع الأطراف إلى الابتعاد عن مرتكبي الأعمال الاستفزازية، التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من التوتر.
من جانبه، كشف رئيس الوزراء الروسي ديميتري مدفيديف أمس، خلال اجتماع مجلس الأمن الروسي، عن حجم الديون المترتبة على أوكرانيا لروسيا، الذي يبلغ نحو 16 مليار دولار، يتوزع على ديون حكومية وديون شركات. وقال رئيس الوزراء الروسي إن روسيا لا تنوي التفريط بهذه الأموال، نظراً لأن ميزانيتها تمر بمرحلة صعبة وهي أحق بهذه الأموال من أوكرانيا، ودعا إلى النظر في هذا الوضع في الوقت المناسب.
إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أول من أمس، أنها تدرس حالياً طلب أوكرانيا بشأن تقديمها مساعدات عسكرية غير فتاكة، مستبعداً تزويد الجيش الأوكراني بأسلحة. وكانت مصادر أميركية قد ذكرت أثناء زيارة رئيس الوزراء الأوكراني إلى واشنطن، أن البنتاغون رفض طلبا من كييف بتزويدها بكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، إضافة الى تقديمها معلومات استخبارية.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، رويترز)