لم يستبعد البيت الأبيض أن يُضاف اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لائحة العقوبات الأميركية على خلفية الأزمة التي تعصف بأوكرانيا ودور موسكو فيها. إلا أنه حتّى الآن يلعب باراك أوباما أوراقه التي تحتمل هامشاً واسعاً من التسويات الدبلوماسية.
ولكن بعد عرض العضلات وشحن الروح السوفياتية اللذين قدمهما بوتين في خطابه أمس، ماذا تعني فعلياً لائحة أميركية ــ أوروبية من 32 اسماً معاقباً حتّى الآن؟ وكيف يُمكن مسؤولي البيت الأبيض المناورة مستقبلاً؟
لعلّ أبرز رد فعل روسي على العقوبات التي أعلنها أوباما كان تهكّم نائب رئيس الحكومة، ديميتري روغوزين. قال في تغريدة عبر حسابه على «تويتر»: «أيها الرفيق باراك أوباما، ماذا ستفعل مع أولئك الذين ليس لديهم حسابات أو أملاك في الخارج؟ أم أنك لم تفكّر في الأمر؟».
العقوبات محدّدة وموجّهة. فهي عبارة عن تجميد أصول وفرض حظر سفر على 11 شخصية روسية وأوكرانية، بينهم المستشار اللصيق بفلاديمير بوتين، فلاديسلاف سوركوف، ورئيسة مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي فالنتينا ماتفيينكو.
لا ينحصر الرد الروسي على العقوبات المفروضة في مجال التهكّم والتحدّي، بل يبدو أنه يمتدّ إلى إجراءات موازية مشابهة، إذ تنقل تقارير إعلامية عن مصادر في موسكو أنّ إجراءات ستُتّخذ ضدّ مسؤولين في إدارة الرئيس وبحقّ أعضاء رفيعي المقام في مجلس الشيوخ. وعلى الأرجح سيتصدّر تلك اللائحة زعيم الأكثرية في ذلك المجلس، ويب ديك، الذي صاغ أخيراً مشروع قرار ضدّ سيطرة الروس على شبه جزيرة القرم.
صحيح أن العقوبات هي أحدث مرحلة من مواجهة الغرب للخطوات الروسية بعد سقوط كييف ــ وقد سبقتها تحذيرات شفهية وإلغاء لقمّة الدول الثماني العظمى التي كانت مقرّرة في سوتشي ــ إلا أنّ توافقاً ضمنياً يبدو أنّه قائم يُرضي الجميع ويقضي بأنّ تستعيد موسكو أرضها التاريخية، على أن تكون الحجة في المقلب الآخر أنّ الحرب لن تكون إلا بسلاح العقوبات والديموقراطية على طريقة بروكسل أو الغرب (وأساساً ليس هناك خيار آخر لشنّ تلك الحرب، إذ عسكرياً لا فرص أوكرانية للصمود أمام القوات الروسية، كما أنّ الغرب ليس مستعداً لإشعال حرب في شرق أوروبا).
حتّى الآن، كلّ ما يُمكن أن يُشعله البيت الأبيض هو البيانات؛ وقد صدر الكثير منها ندّد بخطوات الكرملين.
العلاقات بين البلدين محيّرة إلى درجة أنّ البعض يصفها بأنّها «حرب هادئة» (Cool War)، في لعب على التعبير الذي صرع البشرية طوال أكثر من نصف قرن: «الحرب الباردة» (Cold War).
هكذا يتنفّس رجال الأعمال الروس في الولايات المتّحدة الصعداء، لكون العقوبات الاقتصادية الأميركية تُعدّ موضعية ولا تهدّد أي أفق للتعاون المستقبلي. ما يهمله كثيرون أن العقوبات ليست طريقاً باتجاه واحد، فقد نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» أن قرابة 105 مليارات دولار حُوّلت من حسابات تتمتع وزارة الخزانة الأميركية بوصاية عليها خلال الأسبوع الذي انتهى الأربعاء الماضي، وهو المبلغ الأكبر على الإطلاق خلال الفترة الماضية.
«هناك بعض الأدلّة على أنّ الروس يسحبون بقلق عشرات مليارات الدولارات من الحسابات الأميركية؛ وعدّ بعض المسؤولين الاميركيين الأمر تهديداً» في حال مضت واشنطن في فرض عقوبات إضافية، تشرح الصحيفة.
على أي حال، مقارنة بحجم الحدث في القرم، تبدو ردود الفعل هادئة. هدوء أضحى معتاداً، ويبدو في لحظات عديدة أنّه كورياغرافيا استراتيجية بإخراج متقن في القنوات الدبلوماسية ــ من اللعب على التناقضات في الميدان السوري وصولاً إلى ردود الفعل المتاحة على «اجتياح» القرم ــ.
صحيح أنّ الدعوات تتصاعد لصياغة مقاربة جديدة في واشنطن لإدارة صراعاتها مع روسيا، غير أنّ الرئيس الاميركي، ومنذ الضغط على زرّ إعادة ضبط العلاقات مع الكرملين في بداية ولايته الاولى، يُظهر تصميماً على البحث عن تلك التوليفة المثالية التي تضبط علاقات موسكو بالغرب، أو ربما سلّم أوباما فعلاً، أمام مناصري الحروب في الحد الأدنى ورغم جميع الدعوات والنصائح الرسمية والحزبية التي تحثّه على عمل عدائي، بأنه لا يُمكن التعاطي مع روسيا على أنّها عالم صدئ يعيش فيه الإنسان القديم الذي رسمه فرانسيس فوكوياما.
فالديموقراطية، لمن لم يتنبّه إلى كلّ الأحداث الدراماتيكية منذ بداية الألفية، لم تعد كلمة براقة يُمكن طباعتها على الاعلام والمناشف لكي تُمسح بها دماء الضحايا حيث يُروّج أنها تُفرض بالقوّة.
الديموقراطية مفهوم يُعاد النظر فيه كلّ يوم، ولروسيا نسختها الخاصة من نظام الحكم؛ ليس الأمثل بالتأكيد، ولكن كذلك الأمر بالنسبة إلى العم سام الذي يطلّ رأسه تارة من جهة أوروبا وجبهة حلف شمالي الأطلسي، وطوراً من شرق آسيا.
وفي ظلّ الأزمة المستجدة بين البلدين، التي تُعد الأخطر منذ الحرب الباردة، ليس في وسع واشنطن اليوم سوى فرض العقوبات الموضعية المنخفضة الكلفة على المستوى الاستراتيجي.
ربما تصل بعد فترة إلى تصنيف فلاديمير بوتين خارجاً عن القانون الدولي، تماماً كما يفرض التوصيف الأوروبي والأميركي لفعلته في القرم: مخالفة للقانون الدولي (!) ولكن حينها سيكون هناك كلام آخر. فإذا كانت هذه الخطوة سهلة لحصلت منذ وطئت أول جزمة لجندي روسي الأراضي الأوكرانية.

يمكنكم متابعة حسن شقراني عبر تويتر | @HassanChakrani





«بريدنيستروفييه» تطلب الانضمام لروسيا

قدم رئيس برلمان جمهورية بريدنيستروفييه، وهي جمهورية معلنة من جانب واحد، تقع في شرق جمهورية مولدافيا السوفياتية السابقة، ميخائيل بورلا، طلباً إلى رئيس مجلس النواب الروسي سيرغي ناريشكين، لتضمين القانون الروسي ذي الصلة بنداً يتيح لجمهورية بريدنيستروفييه الانضمام إلى روسيا الاتحادية.
وأعلن أهالي شرق جمهورية مولدافيا، ومعظمهم من أصل روسي، استقلال إقليمهم إثر حل اتحاد الجمهوريات السوفياتية.
(الأخبار)