هي لعبة عض أصابع، يراهن كل من طرفيها على قدرته على التحمل وإجبار الطرف الآخر على الصراخ وجعاً. لكنها لعبة يبدو حتى الآن الطرف الروسي هو المتحكم فيها، بل الرابح في جولاتها، ولو على قاعدة رد الاعتبار. القرم سقطت عسكرياً. القوات الموالية لموسكو سيطرت بالكامل على شبه الجزيرة التي تسعى للانضمام إلى الدب الروسي.
خطوة اعتبرتها كييف إعلان حرب على كل من أوكرانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، التي توعدت بردود متعددة الأنواع، تحدٍّ في أعقاب زيارة جون كيري لكييف اليوم والقمة الطارئة التي قرر الاتحاد الأوروبي عقدها الخميس.
ولعل التهديد الأكثر وضوحاً جاء على لسان الرئيس باراك أوباما الذي هدّد بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، الهدف منها «عزل» روسيا، معتبراً أن موسكو تقف «في الجانب الخطأ من التاريخ». وقال أوباما «أعتقد أن العالم موحّد بشكل واسع لجهة الاعتبار أن الإجراءت التي اتخذتها روسيا تمثّل انتهاكاً لسيادة أوكرانيا وللقانون الدولي».
وأضاف بلهجة تحذيرية «إن الرسالة التي نريد إيصالها إلى الروس مفادها أنهم في حال مضوا قدماً في نهجهم الحالي، فسنبحث جملة من الإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية التي ستعزل روسيا»، معتبراً أن هذه الإجراءات «سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد» الروسي. كذلك فعل الاتحاد الأوروبي الذي توعّد بإجراءات مشابهة.
قوات موالية لروسيا نفذت عملية السيطرة تلك على مرأى من العالم. البرلمان، ورئاسة الوزراء، ومبنى التلفزيون الرسمي، والمطار، ومبنى الإطفائية في العاصمة سيمفربول، رفرفت الأعلام الروسية فوقها بدلاً من الأعلام الأوكرانية، في وقت أمهل الأسطول الروسي في البحر الأسود الجنود الأوكرانيين في القرم 12 ساعة «للاستسلام»، حسبما أفادت وكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية.
حرس الحدود الأوكراني أكد أمس أن عسكريين روس كانوا أمس لا يزالون يصلون بكثافة إلى القرم، في ما وصفته بأنه انتهاك للاتفاقيات الدولية. وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، حطت عشر مروحيات وثماني طائرات نقل روسية في القرم، من دون إبلاغ أوكرانيا، وفقاً للاتفاقات المبرمة بين البلدين بشأن وضع الأسطول الروسي في البحر الأسود والمتمركز في القرم، والتي تنص على الإبلاغ المسبق عن تحركات مماثلة لقوات قبل 72 ساعة من حصولها.
في المقابل، أعلن المركز الصحافي لحزب «الوحدة الروسية»، أن قادة أهم أجهزة الأمن في جمهورية القرم الذاتية الحكم، أدوا يمين الولاء لشعب القرم. وأضاف أن المراسم جرت في جلسة لمجلس وزراء القرم، حضرها رؤساء الحكومة والبرلمان ومدن ومناطق الجمهورية. ومن بين من أدوا اليمين، رئيس هيئة الأمن لجمهورية القرم بيتر زيما، ورئيس الدائرة الرئيسية للشؤون الداخلية في القرم سيرغي أبيسوف، ورئيس الدائرة الرئيسية لشؤون الطوارئ سيرغي شاخوف، والقائم بمهمات رئيس مصلحة الحدود فيكتور ميلنيتشينكو، والأميرال دينيس بيريزوفسكي الذي عُيِّن في منصب قائد القوات البحرية لجمهورية القرم. وقال رئيس مجلس وزراء جمهورية القرم، سيرغي أكسيونوف، إن «هذا اليوم سيدخل تاريخ الجمهورية الذاتية الحكم كيوم لتأسيس هيئات أمنها كلها»، مضيفاً أن «القرم قادر على الدفاع عن نفسه بنحو مستقل وضمان أمن وحرية مواطنيه».
في الجانب الروسي، دافع وزير الخارجية سيرغي لافروف، في كلمة ألقاها خلال فعاليات الدورة الـ25 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، عن قرار البرلمان الروسي منح صلاحية للحكومة لإرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، قائلاً إنه يهدف لحماية حقوق الإنسان، وموضحاً أن القرار جاء لمنع استخدام العنف من جانب المتطرفين في أوكرانيا، وتسهيل عملية المصالحة. وانتقد لافروف اعتبار البلدان الغربية قرار التدخل الروسي في أوكرانيا «عملاً عدوانياً»، متهماً تلك البلدان باستخدام ورقة حقوق الإنسان كذريعة للوصول إلى أهداف جيوسياسية. وأضاف: «نحن نناقش في قرار التدخل أمن مواطنينا وسلامتهم وحماية حقوق الإنسان، لا أكثر من ذلك»، مهدداً بمقاطعة أولئك الذين يحاولون إظهار التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا على أنه عدوان.
بدوره، أعلن المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، أن الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش طلب من الرئيس فلاديمير بوتين مساعدة عسكرية «للدفاع عن الشعب الأوكراني». وأشار تشوركين، متحدثاً أمام مجلس الأمن، إلى «رسالة» في هذا المعنى وجّهها يانوكوفيتش إلى بوتين، أكد فيها أن «أوكرانيا على شفير حرب أهلية»، مضيفاً أن الرئيس الأوكراني «طلب استخدام القوات المسلحة للاتحاد الروسي بهدف حماية الشعب الأوكراني».
في المقابل، اتهمت رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو، روسيا «باحتلال» القرم. وقالت إن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين يدرك جيداً أنه عبر إعلانه الحرب علينا، فإنه يعلنها كذلك على ضامني أمننا، أي الولايات المتحدة وبريطانيا»، مضيفةً: «لا أعتقد أن روسيا ستخرق هذا الخط الأحمر. وإن فعلت فستخسر».
ورأت أن «الاعتداء الروسي» كان مستحيلاً لو انضمت أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي سابقاً.
وسارع الاتحاد الأوروبي إلى إعلان عقد قمة طارئة على مستوى رؤساء الدول والحكومات، يوم الخميس، لبحث التطورات في أوكرانيا، فيما يتوجه كيري إلى كييف اليوم، لإجراء مشاورات مع الحكومة الأوكرانية الانتقالية.
وأعلنت دول «السبعة الكبار»، تجميد التحضيرات لقمة مجموعة «الثمانية الكبار»، التي من المقرر أن تستضيفها مدينة سوتشي جنوب روسيا في حزيران القادم، وذلك احتجاجاً على إعلان موسكو احتمال استخدام القوة في أوكرانيا.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)



انعكاسات سلبية على البورصة الروسية

تراجعت مؤشرات البورصات الروسية بنحو ملحوظ في بداية التعاملات أمس، على الرغم من قرار البنك المركزي الروسي رفع سعر الفائدة الأساسي بنسبة 1.5% إلى 7%. وهوى مؤشر «آر تي إس» بنسبة 10.74% ليصل إلى مستوى 1131.15 نقطة مئوية، كذلك تراجع مؤشر «ماي سيكس» للتعاملات المصرفية بنسبة 9.52% إلى مستوى 1313 نقطة مئوية. وتراجعت القيمة السوقية لعملاق الغاز الروسي «غازبروم» المسؤول عن توريدات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية، بنسبة 9.55%، ما يعادل 300 مليار روبل. وقال خبراء إن قرار تدخل القوات الروسية في شبه جزيرة القرم قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية، وبالتالي قد تنتج منه عواقب اقتصادية جدية على روسيا، مشيرين إلى أنه لن يكون هناك تحسن في سوق الأسهم الروسية حتى يتضح إلى أين تتجه الأزمة في أوكرانيا. في هذا الوقت، تجري وزارة المالية الروسية، بالمشاركة مع مسؤولين ماليين في جمهورية القرم، مشاورات بشأن تقديم مساعدات مالية للسلطات في شبه الجزيرة، بهدف مساعدتها في تغطية مدفوعات الميزانية والتزاماتها على الصعيد الاجتماعي.
(الأخبار)