تبنت أول من أمس، «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» الهجوم الذي وقع في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، وخلّف وفق حصيلة رسميّة 8 قتلى و12 جريحاً في صفوف الأمن البوركينيّ. ورغم أنّ الهجوم ليس الأوّل من نوعه، إذ استُهدفت واغادوغو مرتين في العامين الماضيَين، فإنّه يُلقي الضوء على تطوّر نشاط «الجماعات الجهاديّة» في الساحل، وخاصة أنّ الهجوم الأخير استهدف إلى جانب السفارة الفرنسيّة ومؤسسات تابعة لها، اجتماعاً عسكريّاً لـ«مجموعة دول الساحل الخمس – جي 5» كان يُعقد في مقّر هيئة أركان الجيش.
وفي بيان نشرته «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، عبر مؤسستها الإعلاميّة «الزلاقة»، تبنّت هجوم واغادوغو وشرحت تفاصيله ودوافعه وغاياته. وجاء في البيان أن الهجوم قادته مجموعة مكونة من «سبعة انغماسيّين، يتقدمهم استشهاديّ» يُدعى يونس الفلاني، الذي يُرجح أنّه من كان يقود السيارة المُلغّمة (وهو كما يدُل اسمه ينحدر من قبائل الفولاني الموزعة على عدد كبير من الدول الأفريقيّة). وجاء الهجوم «رداً على غارة» شنّها الطيران الفرنسيّ بداية الشهر الماضي على مجموعة متمركزة في شمال مالي متكونة من حوالى 20 عنصراً، أدت إلى مقتل عدد من عناصرها؛ بينهم ستة من القادة (أعلن البيان أسماءهم).
وذكرت الجماعة أن أهداف الهجوم هي إرجاع «النظام» البوركينيّ وأنظمة «مجموعة دول الساحل الخمس» (التي تضمُّ أيضاً مالي والنيجر والتشاد وموريتانيا) عن أهدافها التي اعتبرت أنها تصبّ في خانة «القتال نيابة عن الجيش الفرنسيّ»، والدعوة إلى الاقتداء بسياسة الحكومة البوركينيّة السابقة التي «نأت بنفسها» عن الدخول في الصراع بين فرنسا وبينهم «ولم تخضع للإملاءات، فتجنّبت بذلك السقوط في مستنقع الدماء».
ويعتبر هذا الهجوم الثالث الذي يستهدف العاصمة البوركينيّة خلال ثلاث سنوات، حيث أدى في كانون الثاني عام 2016 هجوم على مقهى إلى مقتل 30 شخصاً، بينهم كنديّون وأوروبيّون، وأدى هجوم على مطعم في آب العام الماضي إلى سقوط 19 ضحيّة. وهو الهجوم الثاني بعد تأسيس «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» في آذار عام 2017. ويُعتبر تأسيس الجماعة تطوّراً نوعيّاً في «النشاط الجهاديّ»، حيث دمجت أربعة تنظيمات هي «حركة أنصار الدين» و«تنظيم القاعدة في المغرب الإسلاميّ» وجماعة «المرابطون» و«جبهة تحرير ماسينا».
وينحدر زعماء ومقاتلو التنظيمات الأربعة من ثلاث إثنيّات ترى نفسها مقصيّة من مركز الفعل السياسيّ في بلدانها، وهي الطوارق والعرب والفولاني. ويمثّل هذا الهاجس «التمثيليّ» بُعداً مهمّاً في دوافع تأسيس التنظيم الجديد، إذ في أعقاب قضاء التدخّل الفرنسيّ على التمرّد الذي قاده الطوارق عام 2012 في شمال مالي للمطالبة باستقلال «إقليم أزواد»، أخذت التوترات والمظالم الإثنيّة تقترب وترتبط أكثر فأكثر باللافتة «الجهاديّة».
ومن أبرز وجوه «أسلمة» الصراعات الإثنيّة هو إياد أغ غالي، زعيم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، وأحد أبرز القادة في تاريخ الحركة الاستقلاليّة الأزواديّة، حيث قاد أغ غالي قبل انعطافته الجهاديّة، نهاية العقد الماضي، تنظيم «الحركة الشعبيّة لتحرير أزواد» الذي أسسه عام 1988 بدعم من الزعيم الليبيّ الراحل معمّر القذافي الذي أوفده أيضاً «للقتال في سوريا ولبنان ضدّ إسرائيل» كما يقول هو، وسلّحه للقتال إلى جانبه في حربه مع التشاد في ثمانينيات القرن الماضي. وكانت «الأخبار» (العدد ٣٣٩٥) قد ذكرت سابقاً أنه انتمى إلى جماعة «الدعوة والتبليغ» (السلمية) قُبيل «انعطافته الجهادية» عملياً بعد عام 2011.

بين عامَي 2012 و2017 ارتفعت الهجمات إلى 358 عمليّة


ورغم وجود حوالى 800 عسكريّ أميركيّ في النيجر، وإبقاء فرنسا حوالى 4 آلاف من جنودها منتشرين في منطقة الساحل ضمن عمليّة «برخان»، ووجود 12 ألف جندي لحفظ السلام تابعين لـ«بعثة الأمم المتحدة متكاملة الأبعاد (مينوسما)»، ارتفع عدد «الهجمات الجهاديّة» عما كان عليه سابقاً، إذ جاء في تقرير نشرته «منظمة الدفاع عن الديموقراطيات» الشهر الماضي بعنوان «تطوّر العمليات الجهاديّة المُستهدفة للمصالح الغربيّة في أفريقيا»، أنّ عدد الهجمات التي تنقسم أساساً بين منطقي القرن الأفريقي والساحل الصحراويّ، ارتفع من 132 عمليّة بين عامي 2007 و2011، إلى 358 عمليّة بين عامي 2012 و2017، أي أنّ الرقم تضاعف ثلاث مرّات تقريباً. وتشير الأرقام إلى أنّ بوركينا فاسو، وحدها، شهدت منذ عام 2015 أكثر من 80 هجوماً أدت إلى مقتل ما يجاوز 140 شخصاً، إضافة إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان.
وتسعى «مجموعة دول الساحل الخمس» إلى استكمال بناء قوّة مشتركة بينها لمقاومة الجهاديّين، التي من المنتظر أن يُفعّل عملها منتصف هذا العام، وخاصّة بعد النجاح في حشد وعود بتسديد أغلب الموارد الماليّة اللازمة خلال مؤتمر في بروكسل نهاية الشهر الماضي. ووعدت الدول المانحة خلال المؤتمر، الذي ساهمت فيه الإمارات والسعوديّة، بما يقارب نصف المبالغ المالية المطلوبة عملاً على تثبيت موطئ قدم لها في المنطقة، بإنجاز ما يزيد على 400 مشروع تنمويّ في أفق عام 2022 ضمن خطة شاملة للقضاء على «الخطر الجهاديّ».
جدير بالذكر أنّ «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» نشرت قبل أيام تسجيلاً مصوّراً، «لمخطوفة فرنسية»، مرفقاً بصوت إيمانويل ماكرون يقول «سأحميكم».