■ ذكرت في كتابك «نزعة عسكرية أميركيّة جديدة»، أنّ الولايات المتحدة أصبحت بلداً «في حالة أزمة أمن قوميّ مستمرّة»، إذ إنّ فكرة كونها في «حالة حرب» موجودة دوماً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. هل تحتاج الولايات المتحدّة دائماً إلى «عدوّ»، حقيقي أو متخيّل؟
أندرو باسيفيتش*: بعد الحرب العالمية الثانية بقليل، أشار وزير الخارجيّة دين آتشيسون إلى أنّ بريطانيا العظمى قد خسرت إمبراطوريّتها ولم تجد لنفسها دوراً بعد. تواجه الولايات المتّحدة اليوم تشخيصاً مماثلاً. انتهى عصر الصعود الأميركي، والنظام العالمي بصدد التغيّر بطرق مذهلة، ليس فقط بظهور لائحة جديدة من القوى العظمى، ولكن أيضاً بتصاعد مجموعة من المشكلات الجديدة، بما فيها تحديات على غرار التغيّر المناخي. ما هو الدور الخاص بالولايات المتّحدة في هذا النظام الجديد؟ لا نعرف. وإدارة ترامب غير مؤهّلة لإعطاء إجابة. هل كانت هيلاري كلينتون ستبلي بلاءً أفضل؟ أشكّ في ذلك. فكلينتون تمثّل نظاماً قائماً لا يزال غارقاً في ماضٍ لم يعد موجوداً. حين يتعلّق الأمر بالسياسة الخارجيّة، فإنّ واشنطن قد أصبحت منطقة ميّتة.

■ في الشرق الأوسط على وجه التحديد، هل ترى استراتيجيّة متينة لترامب؟ إذا كانت الإجابة بـ«نعم»، فما هي مرتكزاتها؟
أ ب: عندما يتعلّق الأمر بالإدارة الحالية، فأنا أتردّد في الإجابة عن أي سؤال يتضمّن مصطلحات على غرار «متين» و«استراتيجيّة». يبدو الرئيس غافلاً عن تعقيدات سياسات الشرق الأوسط، وهو أيضاً غير مستعدّ للتمكّن منها... أمّا في ما يخصّ علاقة ترامب الرومانسية بالعائلة السعوديّة المالكة، فأنا لا أجد تفسيراً لها. نحن لا نحتاج النفط السعودي... كذلك لا مصلحة لنا بالتأكيد في التنافس السعودي ــ الإيراني... لن يأتي خير جرّاء الانحياز إلى السعوديّة في السياسة الأميركيّة. أو دعني أصحّح: لا خير سيأتي سوى الكثير من بلايين الدولارات من مبيعات الأسلحة التي ستستفيد منها المنظومة العسكريّة ــ الصناعيّة الأميركيّة.

■ لماذا اختار ترامب أن يجعل من إيران عدوّه الأوّل في الشرق الأوسط، وحتّى على نطاق عالمي؟
أ. ب: يبدو واضحاً أنّ الجنرال ماتيس وماكماستر معاديان لإيران. ويعود ذلك إلى تجاربهما في حرب العراق حيث دعمت إيران المقاتلين المعادين للولايات المتحدّة، وقد منحت الأخيرة أسباباً لإيران للتصرّف على هذا النحو من خلال: أ) إعلان إيران جزءاً من «محور الشرّ»؛ ب) اعتماد سياسة الحرب الوقائيّة؛ ج) اجتياح العراق، وهو بلد يمكن القول إنّ لإيران فيه مصالح حيويّة، وهذه الأمور لا يبدو أنّها تدخل في حسابات أناس مثل ماتيس وماكماشستر. لم تكن سياسات إيران حميدة، ولكنّها كانت عقلانيّة. (في المقابل، السياسات السعوديّة لم تكن حميدة ولا عقلانيّة). هذا دليل واضح على عدم قدرة هذه الإدارة على مجاراة اللعبة طويلاً.

■ هل يمكن أن تقود المسألة الإيرانيّة إلى إمكانيّة حرب في الشرق الأوسط تشارك فيها الولايات المتحدّة بنحو مباشر أو غير مباشر؟ وما هو رأيك في فكرة أنّ ترامب يمكن أن يشنّ حرباً إذا ما وُضع في مأزق سياسي محليّاً؟
أ. ب: من الواضح أنّ ترامب متهوّر، حتّى في الأمور المتعلّقة باستخدام القوّة. لنتذكّر القصف الجوّي الذي أمر به ضدّ مطار عسكري سوريّ بعد تولّيه الرئاسة بفترة قصيرة ــ قرار يبدو أنّه اتّخذه بعد مشاهدة صور تلفزيونيّة تُظهر أطفالاً سوريين تعرّضوا لهجوم بالغاز. عندما أعطى ذلك الأمر، استجاب الجيش الأميركي. ولكن هل يطيعه الجنرالات إذا ما تصرّف حسب هواه وأعطى أمراً بهجمة استباقيّة ضدّ إيران أو كوريا الشماليّة؟ تخميني هو نعم. لكنّ أملي هو أنّ أشخاصاً أعقل قد يتدخّلون لإقناع الرئيس بالتراجع عن قراره. لكنّ هذا الأمر مقلق بلا شكّ.

*عن موقع ORIENTXXI مختصراً وبتصرف
** أندرو باسيفيتش، أستاذ فخري في التاريخ والعلاقات الدوليّة في «جامعة بوسطن»، تخرّج في «ويست بوينت» و«جامعة برينستون». وهو كولونيل سابق في الجيش الأميركي، شارك في فيتنام بين عامي 1970 و1971. من أبرز مؤلفاته: «حدود القوّة: نهاية الاستثنائيّة الأميركيّة»، «النزعة العسكرية الأميركيّة الجديدة: كيف تُغري الحروب الأميركيين»