لم تمرّ ساعات قليلة على نشر «البنتاغون» وثيقته الجديدة، مساء الجمعة، والداعية إلى أن تتزود واشنطن بأسلحة نووية جديدة «ذات قوة محدودة»، حتى سارعت دول قريبة تاريخياً من الولايات المتحدة، مثل ألمانيا، أو أخرى مثل الصين وروسيا، إلى الردّ بحزم على هذه الدعوات، نظراً إلى «الطابع الحربي» لها.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد اعتبرت حين أصدرت هذه الوثيقة قبل ثلاثة أيام، أنّ وضع العالم اليوم «أكثر خطورة» عمّا كان عليه في 2010 (تاريخ نشر آخر وثيقة عن «الحالة النووية»). وتُركّز هذه الوثيقة على روسيا، بحجة أنّ الأخيرة تملك مخزوناً من الأسلحة النووية غير الاستراتيجية يبلغ ألفي سلاح، وبالتالي إنّ الهدف من التوصية هو في معالجة الهوة في هذا النوع من الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة. وفي سياق هذه «المعالجة»، أشار مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية إلى أنّه «على المدى البعيد، سيُطوّر الجيش الأميركي أيضاً صاروخ كروز جديداً، مزوداً برأس حربي نووي، يُطلق من البحر»، وأضافوا، وفق ما نقلت وكالة «رويترز»، أنّ «الصاروخ قد تكون قوته التدميرية أقل، ولكن لم يتم اتخاذ قرار، وأنّ تطويره سيستغرق فترة تصل إلى عشر سنوات».
ويبرر مسؤولو البنتاغون لجوءهم إلى توصيات كهذه، بالقول إنّ «الهدف هو تقديم صيغة أميركية معقولة لاستخدام السلاح النووي وليس زيادة احتمال أن تكون الولايات المتحدة المبادرة الى الهجوم»، إضافة إلى التبرير بأنّه يمكن الاستغناء عن هذا البرنامج الجديد «إذا وافقت روسيا على العودة إلى إجراءات مراقبة للأسلحة النووية»، علماً بأنّ الجنرال الروسي المتقاعد فيكتور يسين، الذي شغل سابقاً منصب رئيس أركان القوات الصاروخية الاستراتيجية لبلاده، أعلن، أول من أمس، أنّ موسكو وواشنطن نفذتا كل الالتزامات المتوجبة عليهما وفقاً لمعاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية «ستارت» الموقعة عام 2010 في براغ. وأوضح أنّ الموعد النهائي لتنفيذ هذه الالتزامات سوف يحلّ اليوم (5 شباط)، مضيفاً أنّ الجانبين سيتبادلان الوثائق التي تثبت التزامهما ببنود المعاهدة خلال شهر، وبعد ذلك سيتم نشر المؤشرات والأرقام.
أيضاً، برر وزير الدفاع جايمس ماتيس، التوصية قائلاً: «نسعى (من خلال أسلحة تكتيكية كهذه) إلى إقناع خصومنا بأنّه ليس لديهم شيء ليكسبوه، بينما سيخسرون كل شيء إذا استخدموا الأسلحة النووية». وكتب ماتيس في مقدمة الوثيقة الواقعة في 75 صفحة، أنّ «هذا رد على توسيع روسيا لقدراتها وطبيعة استراتيجيتها وعقيدتها... هذه التطورات التي تترافق مع سيطرة روسيا على القرم والتهديدات النووية ضد حلفائنا تشير إلى عودة موسكو... إلى المنافسة بين القوى العظمى».
أمام هذا الواقع، رأت الباحثة في «اتحاد الباحثين المعنيّين»، ليزبث غرانلاند، في حديث إلى «ذي غارديان»، أنّ «ترامب ينتهج نهجاً متهوراً، سوف يُضعف أمن الولايات المتحدة حاليّاً وعلى المدى الطويل»، مضيفة في نقطة مهة أنّ الإدارة الأميركية الحالية «بصدد طمس الحدود الفاصلة بين الحربين النوويّة والتقليديّة».
أما على صعيد الردود الدولية، فقد كان لافتاً أنّ ألمانيا التي تُعدُّ راهناً بمثابة قائد الاتحاد الأوروبي، سارعت عبر وزير خارجيتها سيغمار غبريال، إلى القول إنّ «القرار الأميركي أظهر أن سباقاً جديداً للتسلح النووي بدأ يحتدم بالفعل»، مضيفةً أنّ «أوروبا عرضة للتأثر به مثلما كانت إبان الحرب الباردة».

برلين تنتقد
واشنطن وتخشى
من أن سباقاً جديداً للتسلح النووي بدأ
وتابع أنّ «على أوروبا تمهيد الطريق للدفع من أجل نزع الأسلحة النووية في العالم... (وإلى) ترسيخ المعاهدات الموجودة للرقابة على التسلح من دون شروط»، ملمحاً إلى سياسة واشنطن إبان عهد باراك أوباما.
ونددت موسكو، أول من أمس، بـ«الطابع الحربي والمناهض» لها نتيجة هذه الوثيقة الأميركية، معبرةً في بيان لوزارة الخارجية عن «خيبة أملها الشديدة». وقال البيان إنّه «يجب أن نأخذ بالطبع في الاعتبار المقاربات التي يجري التداول بها حالياً في واشنطن واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمننا». وعبّرت الخارجية في بيانها عن «الأمل بأن تبقى واشنطن مدركة لمستوى الخطر المرتفع الذي تشكّله هذه التوجيهات من وجهة نظر التخطيط العسكري العملي».
وبحسب موسكو أيضاً، فإنّ الوثيقة الأميركية «مشبعة بكل أنواع التعابير المناهضة لروسيا، بدءاً باتهامات غريبة حول اعتمادها سلوكاً عدائياً وكل أنواع التدخلات الممكنة، وصولاً الى اتهامات عارية من الصحة أيضاً حول انتهاكات للائحة الاتفاقات حول مراقبة الأسلحة». وقالت: «نرى ذلك بمثابة محاولة ظالمة (من واشنطن) لتلقي على الآخرين مسؤولياتها في تدهور الوضع في مجال الأمن الدولي والإقليمي وخلل التوازن في آليات مراقبة الأسلحة التي هي نتيجة سلسلة أعمال غير مسؤولة قامت بها الولايات المتحدة بنفسها».
من جهة أخرى، فبينما أشارت الوثيقة إلى «انعدام الشفافية حيال الترسانة النووية الصينية»، ردّت وزارة الدفاع الصينية، في بيانٍ أمس، على التقرير، معتبرة أنّ على واشنطن «التي تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم أخذ زمام المبادرة»، معبّرة عن أملها بدورها بالتخلي «عن عقلية الحرب الباردة».
أيضاً، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أنّ هذه السياسة الأميركية «تعكس الاعتماد المتزايد على السلاح النووي في انتهاك لمعاهدة حظر الانتشار النووي، ما يُعجّل بفناء البشرية». وأضاف أن «إصرار ترامب على قتل» الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى المبرم في صيف 2015، «ينبع من التهور الخطير نفسه».
(الأخبار)




زيادة «الإنفاق الدفاعي»

في حديث إلى «فايننشل تايمز»، أعربت مديرة السياسات في «مركز الحدّ من التسلّح» والمسؤولة السابقة عن الحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة في وزارة الخارجيّة الأميركية، ألكسندرا بيل، عن الاعتقاد بأنّ الوثيقة تمثّل «خروجاً خطيراً عن 40 عاماً من جهود الحزبين لتقليص المخاطر النوويّة حول العالم، وهذا مزعزع للاستقرار». ورأت أنّ الخطر هو توسيع الظروف التي يمكن الولايات المتحدة بمقتضاها استعمال الأسلحة النوويّة.
ومن الجدير ذكره أنّه في الوقت التي تزداد فيه التعليقات، فإنّ «رويترز» نقلت عن مسؤولين أميركيين أنّ «من المتوقع أن يطلب ترامب تخصيص 716 مليار دولار للإنفاق الدفاعي في ميزانية 2019 التي سيكشف عنها الشهر المقبل، ما يمثل زيادة قدرها سبعة في المئة عن ميزانية 2018». وقال أحدهما إنّ الطلب «سوف يتماشى كثيراً مع الأولويات التي كشف عنها (سابقاً) وزير الدفاع جيم ماتيس، في استراتيجية الدفاع الوطني حيث وُضعت الصين وروسيا في محور الاستراتيجية».