يبدو أن النيران السياسية للهجوم الانتحاري الذي شهدته مدينة سروج الحدودية يوم الاثنين الماضي لن تخمد قريباً في الداخل التركي. وتدلّ الوقائع التي تلت التفجير على أنه سيكون مفصلياً في الحياة السياسية التركية، وقد ينسحب على سياستها الخارجية أيضاً. تتلخّص صورة تركيا بعد الهجوم الذي أكدت الحكومة أمس صلات منفّذه بتنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، على النحو الآتي: مواجهات دامية في جنوب شرق البلاد، وعمليات ضد الشرطة التركية تبنّاها حزب «العمال الكردستاني»، إضافة إلى تظاهرات عمّت البلاد من إسطنبول إلى أنقرة فالمدن القريبة من الحدود في جنوب الشرق، تتهم الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» بالتواطؤ مع تنظيم «داعش».
فالتفجير الذي استهدف مسيرة طلابية موقعاً 32 قتيلاً وأكثر من مئة جريح، «ذكّر» الأتراك بمواقف حكومتهم من التنظيم في سوريا والعراق، وبالتسهيلات والدعم اللذين يتهم أردوغان وشركاؤه في الحزب والدولة بتقديمها للتنظيم المتطرّف في جوار تركيا. أنقرة، كعادتها، لجأت في هذا الظرف إلى المزيد من التضييق على المواطنين، بدلاً من الإقرار بحقيقة خلفيات العملية التي هزّت البلاد ومعالجتها. فأصدر القضاء قراراً بحجب موقع «تويتر»، معللاً ذلك أولاً بمنع تداول صور من الهجوم، وثانياً لإيقاف دعوات التظاهر التي تعمّ الانترنت. لكنّ تصعيداً مهماً شهده يوم أمس، ينبئ بالانتقال إلى مرحلةٍ أخطر مما سبق، مع احتمال انفراط عقد «عملية السلام» الهشّة أصلاً بين أنقرة والأكراد في تركيا. حيث أعلنت «قوات الدفاع الشعبي» التابعة لحزب «العمال الكردستاني»، يوم أمس، مسؤوليتها عن قتل ضابطي شرطة في بلدة رأس العين الحدودية، والواقعة في محافظة شانلي أورفة (المحافظة التي تضمّ سروج أيضاً)، «لتعاونهما مع عصابات تنظيم داعش ورداً على مجزرة سروج»، وفقاً لبيانٍ على أحد مواقع الحزب الإلكترونية. وأضاف البيان أنه «في 22 تموز وحوالى الساعة السادسة تم تنفيذ عمل وقائي ضد شرطيين كانا يتعاونان مع عصابة داعش في جيلان بينار».
اتهامات صريحة طاولت من جديد الحكومة وأجهزتها بالتعاون مع التنظيم المتطرّف الذي لم يعد خطره يقتصر على ما وراء الحدود. كذلك، ردّد المتظاهرون الذين جابوا شوارع اسطبنول، لا سيما في حي كاديكوي، هتافات بينها «داعش القاتل وأردوغان وحزب العدالة والتنمية متواطئان»، قبل أن تطلق الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم. كذلك شهدت العاصمة أنقرة احتجاجات ليل أول من أمس، حيث حمل المتظاهرون صور قتلى سروج ولافتات لـ«اتحاد الشباب الاشتراكي» الذي كان عدد كبير من ضحايا الانفجار أعضاءً فيه.
وقبل مقتل الشرطيين، قامت الشرطة باحتجاز 11 شخصاً على الأقل، ليل أول من أمس، بعدما عمّت الاحتجاجات أكثر من عشر ضواح في إسطنبول ومدن أخرى في جنوب شرق البلاد، فيما دعا حزب «الشعوب الديموقراطي» المعارض المؤيد للأكراد أتباعه إلى التوجه إلى اسطنبول للمشاركة في مسيرة حاشدة يوم السبت المقبل.
من جهة أخرى، منعت محكمة الصلح والجزاء في سروج نشر مشاهد هجوم سروج على المواقع الالكترونية، بناءً على طلب تقدمت به النيابة العامة، وأصدرت قراراً بحذف محتويات متعلقة بالهجوم، و«مشاركات تدعو إلى القيام بأعمال احتجاجية غير قانونية». وقد مثلت مواقع التواصل التي تعرّضت سابقاً للحجب في تركيا مساحةً لانتقاد الحكومة، في اليومين الماضيين، حيث حمّل المواطنون أردوغان وسياسته مسؤولية تسرّب «الإرهاب» إلى مدنهم وبلداتهم وقتلهم بهذه الطريقة الوحشية.
وفيما انصاع موقعا «فايسبوك» و«يوتيوب» لمطالب أنقرة، لم يحذف «تويتر» المحتويات المطلوب حذفها، فتمّ حجبه عن الأراضي التركية. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول تركي كبير أن رفع الحظر على الدخول إلى هذا الموقع «سيتم بعد وقتٍ قصير من محو الموقع صوراً مرتبطة بالهجوم».
وكانت الحكومة التركية قد حددت هوية منفذ الهجوم الذي تبيّن أنه مواطن تركي يدعى شيخ عبد الرحمن آلاغوز، سافر إلى سوريا العام الماضي بطريقة غير مشروعة. ووفقاً لمسؤول تركي، فإن المشتبه فيه هو كردي يبلغ من العمر 20 عاماً من بلدة أديامان في جنوب شرق تركيا، وتربطه صلات أيضاً بمفجر مفترض آخر هاجم تجمعاً سياسياً موالياً للأكراد قبل أيام من الانتخابات البرلمانية الأخيرة في السابع من حزيران الماضي. ويُعتقد أن يونس أمره آلاغوس، وهو شقيق الانتحاري، كان يدير مقهىً، يجنّد فيه أشخاصاً لمصلحة تنظيم «داعش». وكانت كلّ من مديرية أمن الولاية والبلدية قد قامتا بإغلاق المقهى قبل قرابة عام، لعدم حصول الشقيق على ترخيص. وفقد الاتصال بالشقيقين منذ نحو ستة أشهر، قبل أن يتقدم والدهما قبل نحو شهرين ببلاغ لدى مديرية الأمن بشأن فقدانهما.
(الأخبار، رويترز، الأناضول)