أثار مرسومان جديدان في تركيا مرتبطان بحالة الطوارئ، صدرا يوم الأحد، حالة اعتراض واسعة وغير مسبوقة في البلاد، ليس فقط من قبل المعارضة، بل من داخل المعسكر الإسلامي المحافظ، ومن قبل مجموعات غير حكومية مثل اتحاد نقابات المحامين و«اتحاد الصناعة والأعمال في تركيا»، وكذلك الرئيس السابق للجمهورية، عبدالله غول.
وينصّ المرسوم الأول رقم 695 على حجز 2756 شخصاً إضافيين من جامعيين وقوى أمن وجيش، لكن الأكثر إثارة للجدل هو المرسوم رقم 696 الذي يسمح بمنح «حصانة» للمدنيين الذين عملوا على إحباط محاولات الانقلاب والأحداث التي شكلت امتداداً لها، بمعنى أنه يستثني هؤلاء من الملاحقة القضائية على اعتبار أن أفعالهم تدخل في إطار «مكافحة الإرهاب».
ويعزّز هذا المرسوم الأخير غياب دولة القانون في تركيا، منذ أحداث تموز 2016، خصوصاً أن تعريف «الإرهاب» بات فضفاضاً جداً، مع اعتبار الرئيس التركي ومعسكره كل من يعارضهم بمثابة داعمين للإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، فإنه منذ فرض حالة الطوارئ لا تقوم السلطة التشريعية بأي عملية تصويت على تلك المراسيم التي تصدر، بل تسمح للسلطة التنفيذية بالقيام بما تريده من دون ضوابط وتصبح المراسيم التي تصدرها بمثابة قوانين، وهو ما يعزز حالة القمع والخوف التي تعيش فيها البلاد.
وبشكلٍ عام، أثار المرسوم 696 خوفاً وقلقاً حقيقيين في أوساط المعارضة، ما دفع البعض إلى إدانته علناً. ورأى رئيس اتحاد نقابات المحامين، متين فايز أوغلو عبر شريط مصوّر نشره على حسابه على «فايسبوك» أن هذا القانون يسمح للمواطنين بالقتل من دون أية عواقب، مضيفاً أنه «من الآن فصاعداً، سيصبح مسموحاً للمواطنين إطلاق النار على بعضهم في الشارع».
بدوره، انتقد الرئيس السابق عبدالله غول، وهو من مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، الطابع «الملتبس» للمرسوم. وقال عبر موقع «تويتر» إنه يأمل «أن يعاد النظر في النص لتجنّب حصول تطورات مستقبلاً من شأنها أن تصيبنا جميعاً بالحزن». وكان غول قد انسحب من الحياة السياسية منذ نهاية عهده الرئاسي في عام 2014، ولا يعلّق كثيراً على أفعال خلفه الذي لا تربطه به علاقة جيدة.
كذلك، تساءل المتحدث باسم «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، بولنت تزجان، عمّا إذا كان أردوغان يسعى «إلى إحراق تركيا»، مضيفاً أن حزبه سيلجأ إلى المحكمة الدستورية لطلب إلغاء المرسوم.
وبالنسبة إلى المرشحة للرئاسة ومؤسسة «الحزب الجيّد» القومي، ميرال أكشنير، فإن خطورة المرسوم الجديد تكمن في أنه قد يجرّ تركيا إلى حربٍ أهلية. اتحاد الصناعة والأعمال في تركيا دعا من جهته إلى إعادة النظر بالمرسوم الذي رأى أنه قد يشكل ضرراً على مناخ الأعمال في البلاد.

تقوم ميليشيات مقرّبة من الرئيس التركي باستهداف المعارضين



تلك الإدانات دفعت وزير العدل، عبد الحميد غول، إلى توضيح المراسيم، بقوله إن الإجراء يشمل فقط «الأفعال التي هدفت إلى منع» محاولة الانقلاب في تموز 2016. وأضاف أنه إذا «قام مواطن بتعذيب شخص آخر... خارج إطار محاولة الانقلاب فستجري محاكمته».
ولا تلغي طمأنات وزير العدل واقع أن للرئيس رجب طيب أردوغان مناصرين، أو ميليشيات مقرّبة منه، تقوم فعلاً بمضايقات للمعارضين، وما المرسوم الأخير إلّا بمثابة منحها شرعيةً وغطاءً قانونيين. وليلة الانقلاب، دعا الرئيس التركي أنصاره عبر تطبيق «فايستايم» للنزول إلى الشارع بهدف التصدي للانقلابيين، فيما دعا المؤذنون عبر المساجد «الشعب» إلى «المقاومة». ومنذ ذلك الحين، شوهد ازدهار للميليشيات الخاصة، وفق تقرير لصحيفة «لوموند» الفرنسية، أمس، مثل مجموعة شبابية تدعى «البيوت العثمانية» معروفة بأفعالها العدائية التي تستهدف المعارضين للنظام. كذلك، وخوفاً من تعرّضه لمحاولة انقلاب ثانية، دعّم الرئيس التركي صلاته بمجموعة «سادات» وهي مؤسسة خاصة تقدّم خدمات وتدريباتٍ للجيش وقوى الأمن، مع العلم أن مؤسسها، الجنرال عدنان تانريفيردي، قد رقي إلى منصب مستشار عسكري للرئيس ولديه حالياً رأي كبير في اختيار المجندين في الجيش التركي.
وفي هذا السياق، رأت «لوموند» في افتتاحية عددها الصادر، أمس، أن القمع الذي يمارسه رجب طيب أردوغان والذي لا يوفر أحداً من إسلاميين وعلمانيين في تركيا، نابع بالدرجة الأولى من إحساسه بالخوف من فقدان سلطته التي باتت «هشّة».
(الأخبار)