علّق قادة الدول الأوروبية الـ 28 آمالاً كبيرةً على قمّة بروكسل، أمس، للتوصل إلى حل نهائي لمسألة تقاسم حصص المهاجرين الذين توافدوا إلى القارة العجوز في عام 2015، لكن إخفاقهم في التوصل إلى اتفاق بيّن عمقَ الشرخ الحاصل داخل الاتحاد بين شرقه وغربه. وعلى الرغم من المناقشات الحادّة بشأن حصص اللاجئين والتي استمرت لمدة ساعتين ونصف ساعة خلال عشاء مغلق ليل الخميس، بقي الطريق مسدوداً أمام إيجاد آلية لتنفيذ هذا الإجراء المثير للجدل، وتمّ تأجيل بتّه إلى العام المقبل.
وجاءت العودة المفاجئة لملفّ المهاجرين إلى أولويات قائمة جدول أعمال الاتحاد بمثابة تذكير بالتقدم القليل الذي ناله حلّ هذا الملف السياسي الحساس، بالإضافة إلى إضاءته على الصعوبات التي ستواجه الاتحاد في الأشهر المقبلة، في وقتٍ يسعى فيه بعض قادته إلى بناء توافق حول خطط إصلاحيّةٍ طموحةٍ للتكتل.
وأوضحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن «وجهات نظر الجميع لم تتغيّر»، مشيرةً إلى ضرورة «مواصلة العمل» حتى حزيران المقبل، الموعد النهائي الذي حددته الدول الـ 28 لحلحلة إصلاح القواعد الأوروبية للهجرة الذي يواجه عراقيل منذ أشهر.
وفي نهاية القمّة، علّق أحد الدبلوماسيين لمجلّة «بوليتيكو» بالقول: لا اتفاق حول هذه المسألة قبل منتصف عام 2018، أي بعد الانتخابات الإيطالية المقررة في آذار المقبل. من جهته، قال رئيس الوزراء الهولندي، مارك روتي، إن «المناقشات كانت حادّة لأن الخلافات كبيرة»، معترفاً بأنه «ليس هناك أي حلّ لإيجاد توافق حول الحصص».

تؤكد دول مجموعة «فيشيغراد» استعدادها
لتقديم دعم مالي لإيطاليا

وبداية الأسبوع الحالي، مهّد رئيس المفوضية الأوروبية، دونالد توسك، لواقع أن الاتفاق بشأن حصص المهاجرين سيكون مستحيلاً، بقوله إن محاولة الاتحاد الأوروبي فرض حصصٍ إجبارية لتوزيع اللاجئين على الدول الأوروبية هو أمرٌ «خلافي بدرجةٍ كبيرة» و«غير مجدٍ». وقد رأى توسك في بداية القمة الأوروبية أن تلك الخلافات المذكورة تتعقّد أكثر بسبب «العواطف» التي تحيط بالمسألة، ما يجعل من الصعب جداً التوصل إلى اتفاق عقلاني، داعياً إلى العمل على «وحدتنا» بشدّة أكثر.
واعتبر بعض القادة الأوروبيين ملاحظات توسك بقوله إن «الاتحاد الأوروبي لا يملك القدرات ولا السلطة» للتعامل مع أزمة المهاجرين، بمثابة تقويضٍ لوحدةِ الاتحاد وجهوده. وقد دعا توسك، في وقت سابق، إلى خطوات ملموسة من قبل الدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد، أي ألمانيا وإيطاليا بالدرجة الأولى، وذلك بتأكيده على ضرورة تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد.
ويريد توسك، عبر ملاحظاته، أن يدفع إلى أخذ اعتبارات دول الشرق والوسط في الحسبان، وهي اعتبارات أمنية وثقافية في الآن عينه وتتعلق بالهوية الوطنية أيضاً، فيما تريد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن يتم تقاسم العبء مع بلدها الذي يستقبل أكبر عددٍ من اللاجئين منذ عام 2015. وزادت التهديدات من بروكسل بفرض عقوباتٍ على دول وسط وشرق أوروبا لرفضها استقبال اللاجئين من إحساس تلك الدول بفقدان السيادة، وهو أمرٌ يفهمه جيّداً توسك الذي كان رئيس وزراء سابقاً لبولندا.
وتؤكد دول مجموعة «فيشيغراد»، أي المجر وسلوفاكيا وبولندا وتشيكيا، أنها مستعدة لتقديم دعمها المالي للدول الواقعة في الصف الأول في مواجهة الهجرة، مثل إيطاليا، لكنها تستبعد استقبال طالبي لجوء دخلوا إلى الاتحاد الأوروبي عبر المتوسط. في المقابل، تصرّ مجموعة أخرى من الدول على رأسها ألمانيا على أنه لا يمكن إعفاء أي دولة من تقاسم اللاجئين.
وقبل عشاء العمل، أول من أمس، أعاد كل من المشاركين التأكيد على مواقفهم في هذا الشق الداخلي، فقد قال رئيس الوزراء السلوفاكي، روبير فيكو، إن «الحصص سببت انقساماً فعلياً في الاتحاد الأوروبي، وعلينا أن نكون حذرين للمستقبل». وأعلن مع مجموعة «فيشيغراد» عن مساعدة قدرها 35 مليون يورو دعماً لتحركات إيطاليا من أجل إدارة مشكلة الهجرة من ليبيا.
وبشكل عام، ترى الدول الشرقية في الاتحاد الأوروبي أنها تعامل بطريقةٍ دونية، وأنها دول «درجة ثانية» في الاتحاد الأوروبي، ولذلك ترفض أيضاً أن تقرر برلين عنها حصتها من اللاجئين الذين لا ترغب في استقبالهم أصلاً. وتعززت فكرة الخشية من التهميش بعد الحديث عن أوروبا «بسرعتين»، تتمحور حول فرنسا وألمانيا، وذلك بعيد لقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالمستشارة الألمانية في برلين في أيار الماضي وطرحه خططاً إصلاحية للاتحاد الأوروبي.
(الأخبار)