رغم أجواء الارتياح التي سادت بعيد توصل المفوضية الأوروبية والحكومة البريطانية إلى اتفاق على شروط الخروج من الاتحاد الأوروبي، لا تزال هناك إشارات استفهام عدة بشأن مستقبل العلاقة التجارية بين التكتل ولندن، مع انتقال المحادثات إلى مرحلة جديدة خلال قمة بروكسل في 14 و15 كانون الأول، وتعرّض الاتحاد الأوروبي لضغوط دولية لمنع لندن من الحصول على اتفاق تجاري مميز معه.
وحذّر كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف الخروج، ميشال بارنييه، من أنه «لا يزال هناك عمل يجب إنجازه» من أجل «تعزيز» التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن، فيما أكّد الوزير البريطاني المكلف الانفصال عن الاتحاد الأوروبي دايفيد دايفيس، أمس، أن بلاده لن تسدّد للاتحاد فاتورة الخروج البالغة 40 إلى 45 مليار دولار، إذا تعذّر إبرام اتفاق تجاري مع بروكسل.
يأتي ذلك بعدما توصل الطرفان، نهاية الأسبوع الماضي، إلى اتفاق أولي بشأن مبادئ التسوية المالية في إطار اتفاق على آليات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، اعتباراً من آخر آذار 2019، ما يفسح هذا الاتفاق المجال لبدء مفاوضات حول العلاقة التجارية في المستقبل بين الطرفين.
وأكّد دايفيس أن مسألة تسديد لندن للفاتورة بغياب اتفاق تجاري ستكون «مشروطة بالحصول على فترة انتقالية». وأكد أن «عدم الاتفاق يعني أننا لن نسدد»، معتبراً مع ذلك أن احتمالات خروج لندن من الفلك الأوروبي بلا اتفاق تجاري «تراجعت جذرياً»، مع العلم بأنه بغياب اتفاق تجاري ستطبق المملكة المتحدة قواعد منظمة التجارة العالمية المرادفة لحواجز جمركية. وتابع الوزير البريطاني أن تصريحاته متوافقة مع موقف رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، بعدما أكد متحدث باسمها، الأربعاء الماضي، أن تسديد الفاتورة رهن «بتحديد علاقة مستقبلية عميقة وخاصة مع الاتحاد الأوروبي». إلّا أن هذا الموقف يتعارض مع تصريحات وزير المال، فيليب هاموند، الذي قال في وقتٍ سابقٍ إن بلاده ستفي بالتزاماتها المالية تجاه الاتحاد الأوروبي حتى بغياب اتفاق تجاري.
في الأثناء، قالت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، نقلاً عن مصادر في الاتحاد الأوروبي، إن الاتحاد لن يمنح بريطانيا اتفاقاً مختلفاً عن أي اتفاق آخر يجمعه بدولةٍ أخرى ليست في الاتحاد الأوروبي. وأضافت المصادر أن عدداً من الدول «عبرت عن قلقها واستيائها في حال حصول بريطانيا على اتفاقٍ أفضل من الاتفاق الذي يجمعها بالاتحاد». وهذه التعليقات التي تحدثت عنها «ذي غارديان» تعني أن ماي أمام مرحلةٍ ثانيةٍ أصعب من المفاوضات، يعيقها كذلك ضيق الوقت المتبقي، وخصوصاً مع إصرار لندن على أنها لن تدفع للاتحاد من دون اتفاق تجاري معه.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عناصر ضبابية بشأن الكلفة الدقيقة للانفصال، رغم أنه تم الاتفاق على المنهجية التي سيتم اتباعها لتحديد المبلغ. ووفق بارنييه، «لا يمكننا حساب المبالغ التي يتم الحديث عنها بدقة، إذ إن هذه الأرقام ستتأرجح». وتشير تقديرات غير رسمية صادرة عن الاتحاد الأوروبي إلى أن التكلفة قد تصل إلى حوالى 60 مليار يورو (70 مليار دولار). في المقابل، تقدر بريطانيا المبلغ ما بين 40 و45 مليار يورو، رغم أن هذه الأرقام لا تتضمن أموراً مثل القرض الذي ضمنه الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا والذي قد تنتج منه تكاليف لجميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، من ضمنهم بريطانيا.

وفق تقديرات أوروبية غير رسمية، التكلفة تصل إلى 60 مليار يورو


بدوره، أيّد حزب «العمال» البريطاني المعارض الإبقاء على علاقات تجارية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، وفق ما أكد مسؤول سياسة الانفصال الأوروبي في الحزب، كير ستارمر، الذي أضاف أن «العمال» سيضغط على رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، للتمسك بذلك. ورأى ستارمر أنه يجب على بريطانيا «البقاء في اتحاد جمركي وشكل مختلف لسوق موحدة، وهو ما يعني المشاركة الكاملة في السوق الموحدة».
من جهةٍ ثانية، لا تزال مسألة الحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا تثير البلبلة، بعدما كادت تفسد الاتفاق جراء مخاوف في بلفاست من أن بريطانيا تتجه نحو اتفاق ينطوي على حدود «فعلية» تفصلها عن باقي المملكة المتحدة. وتشير بريطانيا في الاتفاق إلى أنها «لا تزال ملتزمة حماية التعاون بين الشمال والجنوب (في جزيرة إيرلندا) وبضمانها تجنب حدود فعلية» بينهما.
وأفادت لندن بأنه إذا لم يكن ذلك ممكناً، فستقترح «حلولاً محددة للتعاطي مع الوضع الفريد من نوعه لجزيرة إيرلندا»، بما في ذلك الاتساق مع قواعد السوق الداخلية والاتحاد الجمركي مع احترام بنود اتفاق سلام إيرلندا الشمالية.
وبالإضافة إلى تحذير رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، حذر من أن «الأصعب لم يأتِ بعد»، اعتبر مدير مكتب رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، جوناثان باول، أن تدوير الزوايا سيكون أمراً صعب المنال. وقال باول لصحيفة «فايننشال تايمز» إن «الاتساق الكامل يعني أموراً مختلفة لأشخاص مختلفين». وأضاف أنه «تم تقديم سلسلة من التعهدات المتناقضة وفتح حزمة جديدة من المفاوضات المتعلقة بإيرلندا في المرحلة المقبلة».

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)