يضمن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الغرب أخيراً عودة مظفرة لها إلى سوق النفط العالمية بعد غياب طويل. عودةٌ تؤدي إلى زيادة المعروض من الخام وفي النتيجة خفض أسعاره. وبرغم أن تلك قد تكون أخباراً سيئة لروسيا، التي تُعدّ ظهير الجمهورية الإسلامية في مفاوضاتها الدولية، فإن مكاسبها الأخرى من العقود التي يتعطش إليها الاقتصاد الإيراني تُعوّض أي نقص مرتقب في الإيرادات النفطية.وتُقدّر المؤسسات المالية الدولية، مثل مصرف «غولدمان ساكس»، أن عودة النفط الإيراني للتدفق عالمياً، بعد الموافقة على الاتفاق في مجلس الأمن الدولي والكونغرس الأميركي ومجلس الشورى الإيراني، قد تؤدي إلى انخفاض الأسعار؛ ويضع بعض المحللين التراجع عند 12 دولاراً للبرميل الواحد خلال المدى المتوسط.

وستتأثّر إمدادات روسيا تحديداً إلى أوروبا من جراء هذه العودة. ووفق خبير الشرق الأوسط في «مركز الأبحاث التحليلية» في موسكو، سيمون باغداساروف، فإنّ «إيران متعطشة لمعاودة تصدير النفط إلى أوروبا»، لذا، هي «لاعبٌ مهمّ سيعود إلى السوق وستزداد المنافسة».
في هذا الإطار، يوضح خبير الشرق الأوسط في جامعة «روسيا الرسمية للعلوم الإنسانية» سيرغي سيريغيشيف، أن «إيران لها مصلحة في الحصول على ما أمكنها من عائدات جراء رفع العقوبات».
يُتوقع حدوث منافسة ضارية على صناعة الطاقة في إيران، ولاحقاً على الأسلحة

وستراقب موسكو عن كثب التطورات في سوق الخام، فالتراجع الحاد في الأسعار الذي سُجّل بين صيف عام 2014، وبداية العام الحالي، من العوامل الأساسية التي أدخلت اقتصادها في حالة من الانكماش وزادت الضغوط المالية عليها.
ولكن الحديث عن قلق روسي من سوق النفط قد يكون مضخماً، فالسوق حالياً تعاني فائضا من العرض، كما أن صادرات إيران لن تعود قبل عام بالحد الأدنى. نضيف إلى ذلك، أن التراجع المتوقع في الأسعار لن يكون كارثياً نظراً إلى اهتمام إيران، وهي عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، بالحفاظ على الأسعار.
وهنا يؤكد سيريغيشيف أنه «لا يزال من الممكن التوصل إلى توافق على الأسعار لتفادي انهيار السوق». مع هذا، فإنه في مقابل كل الحديث عن السوق النفطية، هناك مكاسب اقتصادية دسمة تترقبها موسكو خلال المرحلة المقبلة، لأن الاتفاق سيساهم في تنشيط التبادلات التجارية مع طهران ويؤمن لروسيا عقوداً تتعطش إليها.
«الانتصار الأكبر لروسيا في هذا الاتفاق هو على صعيد مكانتها»، طبقا لتعبير سيريغيشيف، وتفصيلياً، حين ترفع العقوبات عن إيران، فإن روسيا التي تواجه صعوبات اقتصادية ناتجة في جزء منها عن عقوبات غربية مفروضة عليها بسبب أوكرانيا، ستكون على الأرجح في طليعة الذين سيوقعون مع طهران عقوداً تنطوي على أرباح طائلة في قطاعات أساسية مثل الطاقة والمواصلات.
ووفقاً لمدير برنامج منع انتشار الأسلحة النووية في مركز «روسيا للدراسات السياسية»، أندريه باكليتسكي، سيتحتم على إيران «تطوير القطاعات التي عانت من جراء العقوبات، وستحتاج إلى شركات أجنبية تستثمر في البلاد... الشركات الروسية مثل شركة الخطوط الجوية الروسية ولوكويل (النفطية) تتطلع إلى المشاركة في ذلك».
وكان رئيس شركة «لوكويل» العملاقة للنفط، فاجيت اليكبيروف، قد أعلن في نيسان الماضي، أن شركته تريد العودة إلى إيران حالما تُرفع العقوبات عنها، كما أعرب عدد من الشركات النفطية الغربية عن اهتمام مماثل.
ويتوقع الخبراء أن تتولى روسيا دوراً رئيسياً في تطوير قطاع الطاقة النووية المدنية في إيران، وأعلن الكرملين في هذا الصدد أن الاتفاق سيساعد على تنفيذ «مشاريع واسعة النطاق على صعيد التعاون النووي السلمي» بين البلدين.
وكانت شركة «روساتوم» (Rosatom) العامة للطاقة الذرية قد ساهمت في بناء مفاعل بوشهر النووي الإيراني وهي تخطط لبناء مفاعلات أخرى في هذا البلد.
وإلى الطاقة النووية، يبرز التعاون على صعيد قطاع التسليح، فخلال مفاوضات فيينا التي أفضت إلى الاتفاق أخيراً، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد دعا إلى رفع فوري لحظر الأسلحة المفروض على إيران. وبرغم أن الاتفاق ينص على بقاء هذا الحظر لخمس سنوات إضافية، فإن لافروف أكد أن من الممكن استئناف صادرات الأسلحة بموافقة مجلس الأمن الدولي.
وفي نيسان الماضي، رفعت روسيا حظراً فرضته بنفسها على بيع إيران أنظمة صواريخ من طراز «إس ــ 300». وتحدّث أحد مستشاري الكرملين الشهر الماضي عن أن البلدين يُعدّان عقداً لتسليم أنظمة الدفاع الجوي من غير أن يرد أي تعليق رسمي على كيفية تأثير الاتفاق مع إيران في هذه الخطط.
وضعٌ يُعلّق عليه الأستاذ الجامعي سيرغي سيريغيشيف، بالقول: «ستكون هناك منافسة ضارية على قطاع صناعة الطاقة في إيران، ولاحقاً على قطاع صناعة الأسلحة». ويضيف: «أعتقد أن روسيا ستركز أكثر على قطاع الطاقة بسبب خبرتها الدولية الواسعة في هذا المجال».
(الأخبار، أ ف ب)