«لن يكون هناك اتفاق (لتسوية أزمة الديون) بأي ثمن... القيمة الأهم، والمتمثلة في الثقة (بالجانب اليوناني) والقدرة على الوفاء (بالالتزامات)، قد فُقدت»، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، لدى وصولها يوم أمس للمشاركة في قمة قادة منطقة اليورو في بروكسل. حتى إن وزير المالية الألماني ولفغانغ شويبله قدم اقتراحاً السبت الماضي يوصي بـ«خروج مؤقت» لليونان من منطقة اليورو مدته خمس سنوات، وذلك «في حال لم تستطع اليونان أن تضمن اتخاذ إجراءات ذات صدقية، وتؤكد أن الدين يمكن سداده».
في الوقت نفسه، جاءت مواقف دول أوروبية، كهولندا وسلوفينيا ومالطا، كصدى للموقف الألماني، بل إن رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات، قال إن «هناك حدوداً لكل شيء»، ما يعني في رأيه أن الأوان قد حان لخروج اليونان من منطقة اليورو. كذلك رأى مصدر أوروبي أن «هناك العديد من الدول التي تعرقل» الوصول إلى اتفاق حول اليونان، ولا تريد منح الأخيرة برنامج قروض ثالثاً، مضيفاً أن دولاً كألمانيا وفنلندا «على وشك القول علناً إنهما لا تريدان اليونان في منطقة اليورو».
يريد الأوروبيون «ضمانة»
من 50 مليار يورو لمشاريع الخصخصة

واللافت أن هذه المواقف البالغة السلبية أتت بعدما أقرّ البرلمان اليوناني، مساء الجمعة الماضي، المقترحات التي قدمتها حكومة ألكسيس تسيبراس ليل الخميس الفائت للدائنين، وقد تضمنت تسليماً بغالبية الشروط التي حاول الأخيرون فرضها بوسائل شتى، وذلك رغم أن غالبية من اليونانيين كانت قد صوّتت لرفض تلك الشروط في استفتاء شعبي. حتى إن تسيبراس كان قد اعترف أمام البرلمان بأن المقترحات الأخيرة لحكومته «بعيدة» جداً عن «العقد الانتخابي» الذي أوصل حزبه، «سيريزا»، إلى السلطة مطلع العام الجاري.
وكان 17 من أصل 149 نائباً عن «سيريزا» قد رفضوا تفويض الحكومة بالتفاوض مع الدائنين على أساس المقترحات الأخيرة التي قُدّمت، ما اضطر تسيبراس إلى التحالف مع نواب المعارضة اليمينية والاشتراكيين الديموقراطيين لإقرار المقترحات. ورأت مصادر في الحكومة اليونانية يوم أمس أنه «من المؤكد» أن بعض الدول الأوروبية لا تريد التوصل إلى اتفاق ينقذ مالية أثينا من الإفلاس، وذلك «لأسباب ليس لها علاقة بالإصلاحات والبرنامج» التي تناقشها قمة منطقة اليورو. ووفق المصادر نفسها، فإن وزراء مالية منطقة اليورو كانوا قد توصلوا في اجتماعهم أول من أمس إلى «اتفاق مبدئي» و«جدول زمني ملائم» لتسوية الديون، لكن «مجموعة من الدول طرحت مسألة الثقة، ومن دون أن توضح ما الذي يجب عمله».
أما ديمتريوس باباديموليس، وهو نائب رئيس البرلمان الأوروبي وعضو حزب «سيريزا» الحاكم، فقد قال أمس إن ألمانيا تحاول «إذلال اليونان واليونانيين» بإدخال طلبات جديدة إلى نص مسودة الاتفاق التي أعدّها وزراء مالية منطقة اليورو، أو تحاول «إطاحة حكومة تسيبراس».
على هذا الصعيد، انقسم المجتمعون في بروكسل أمس بين من قالوا إنهم لا يريدون اتفاقاً «بأي ثمن»، والذين رفضوا خروج اليونان من الاتحاد، ومعه «فشل المشروع الأوروبي». وأعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن «المحك هو في معرفة هل ستكون اليونان غداً في منطقة اليورو؟»، قائلاً إن بلاده «ستبذل كل ما هو ممكن لإيجاد اتفاق يتيح بقاء اليونان في منطقة اليورو، (وذلك) إذا تم استيفاء الشروط اللازمة للبقاء، ما سيسمح لأوروبا بالتقدم».
ورفض هولاند المقترح الألماني بخروج «مؤقت» لأثينا من منطقة العملة الموحدة، وشاركه في ذلك وزير الاقتصاد اليوناني يورجوس ستاثاكيس، الذي رأى في الأمر «مناورة سياسية تخدم إحباط التوصل إلى اتفاق». أيضاً، فإن رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، وعد بـ«القتال حتى آخر عُشر من الثانية للتوصل إلى اتفاق». وكذلك، فقد رأى رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز (ألماني) أن «الأمر لا يتعلق باتفاق، بل بتماسك أوروبا»، الأمر الذي اعتبره «مسؤولية الجميع». وقال شولتز إنه «لا يمكن تصور أوروبا من دون اليونان».
وكان رئيس مجموعة اليورو، يورين ديسيلبلوم، قد اضطر مساء السبت الماضي إلى إيقاف محادثات وزراء مالية منطقة اليورو حول اليونان، وذلك بعد أن اشتدت حدة النقاش بين المتفاوضين. وأفادت مصادر أن شويبله قاطع كلمة لرئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، قائلاً لزملائه: «لا تضيعوا في الهراء»، ما دفع ديسيلبلوم إلى رفع الجلسة من الفور.
وقد استأنف وزراء مالية منطقة اليورو اجتماعهم أمس، ليرفعوا إلى اجتماع قمة منطقة اليورو قائمة بشروط إضافية سعوا إلى فرضها على الحكومة اليونانية، كثمن للبدء بالتفاوض حول برنامج قروض جديد. وكتب وزير المال الفنلندي، ألكسندر ستوب، في حسابه على موقع «تويتر»، أن من بين الشروط التزام أثينا بأن يصوّت البرلمان اليوناني «في موعد أقصاه 15 تموز» الجاري على رزمة أولى من التدابير التي اقترحتها الحكومة أخيراً، مضيفاً أن على الحكومة اليونانية أن توافق على «شروط قاسية» إضافية تتعلق بـ«إصلاح سوق العمل ونظام التقاعد والضريبة على القيمة المضافة». ووفق مصدر دبلوماسي أوروبي، شمل النص الذي أعدّه وزراء المال مقترحاً ألمانياً بإنشاء صندوق خارج اليونان، يضم أصولاً يونانية بقيمة 50 مليار يورو، كـ«ضمانة» لمشاريع الخصخصة التي اقترحتها أثينا أخيراً.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)