يستمر التصعيد بين إقليم كاتالونيا والحكومة الإسبانية في ضوء إصرار حكومة الإقليم على إعلان الانفصال عن إسبانيا بعد نتائج الاستفتاء الأخير، على الرغم من كل الإجراءات التي تلوّح بها مدريد لمنع الإقليم من اتخاذ هذه الخطوة. وفيما يبدو أن كاتالونيا متّجهة بصورةٍ لا رجوع عنها إلى إعلان الاستقلال من طرف واحد، يوم الإثنين المقبل، أعلنت المحكمة الدستورية الإسبانية، يوم أمس، حظر الجلسة التي من المفترض أن تشهد هذا الإعلان، وذلك غداة دعوة جماعات موالية للاستقلال برلمان إقليم كاتالونيا إلى عقدها برئاسة رئيس حكومة الإقليم كارليس بيغديمونت.
وقد عزّز ذلك ما نقلته وكالة «فرانس برس» عن مصدر حكومي في الإقليم، من توقع توجّه جلسة الإثنين إلى هذا الإعلان، إذ قال إن «فكرة إعلان أحادي للاستقلال كانت مطروحة بالفعل» في الجلسة المحظورة. وكان الحزب الاشتراكي الكاتالوني، وهو حزب وحدوي يعارض الحركة الانفصالية، قد تقدم بطلب «أمر حماية» إلى المحكمة الاتحادية على أساس أن إعلان الاستقلال «سيخالف الدستور ويدمر حقوق النواب في الإقليم».
وإذا ما ذهب بيغديمونت إلى إعلان الاستقلال بالفعل، فإن مدريد قد تردّ بتعليق الوضع الحالي للإقليم الذي يتمتّع بالحكم الذاتي منذ عام 1978، وسيتم فرض حكم مباشر من العاصمة. خيارٌ آخر قد تلجأ إليه مدريد، وهو المادة 155 من الدستور، والتي يمكن بموجبها حلّ برلمان كاتالونيا وإجراء انتخابات محلية، إلا أن استخدام هذه المادة يتطلّب دعماً برلمانياً واسعاً، وهو ما لن يتمكّن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي من الحصول عليه على الأرجح.

هدّدت مصارف كبرى بمغادرة إقليم كاتالونيا في حال الانفصال

وقد دعا راخوي أمس بيغديمونت إلى التخلي عن فكرة إعلان الاستقلال من جانب واحد، مؤكداً أن ذلك ممكن أن يجنّب إلحاق «ضرر أكبر». وقال راخوي في حديث إلى وكالة «آفي» الإسبانية، إن «من الأفضل العودة بأسرع وقت إلى الالتزام بالشرعية وعدم الإعلان عن الاستقلال من جانب واحد، بأسرع ما يمكن».
غير أنّ الأزمة اتخذت يوم أمس بُعداً جديداً؛ فإلى جانب العوامل الداخلية التي تغذّي الصراع التاريخي، برز بعدٌ خارجي متعلّق بالثنائية الروسية ــ الأوروبية، وبموقع موسكو من الأزمة السياسية غير المسبوقة في البلاد منذ إعلان «الانتقال الديموقراطي» عام 1978، ومع إصدار الدستور الذي منح كاتالونيا حكماً ذاتياً.
ورغم توجيه الحكومة الإسبانية الشكر لموسكو على «موقفها المتزن» من استفتاء كاتالونيا، نشرت صحيفة «إلموندو» الإسبانية تقريراً ورد فيه أن «الماكينة الروسية ضاعفت من قوة عملها في الساعات التي سبقت الاستفتاء من أجل تعميق الانشقاق في إسبانيا والاتحاد الأوروبي»، وعززت الصحيفة ادّعاءها بحجة «تزايد نشاط المستخدمين المرتبطين بالكرملن وبوتين على شبكة تويتر»، وهو ما يذكّر بالاتهامات التي وجّهت إلى موسكو بالوقوف خلف أحداث غربية مفصلية عدّة، مثل استفتاء «البريكست»، وفوز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية.
في سياق متصل، فرض المضيّ الكاتالوني في نية إعلان الاستقلال نفسه كعامل جدّي على الاتحاد الأوروبي، إذ بدأت التصريحات برفض الاعتراف بالإقليم في حال انفصاله كعضو في الاتحاد. فقد أعلن المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية بيار موسكوفيسي، يوم أمس، أن كاتالونيا «لن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي» إذا استقلّت عن إسبانيا. وأضاف أن «الاتحاد الأوروبي لا يعترف سوى بدولة عضو هي اسبانيا، لكننا لا نزال في طور التكهنات ما دام ليس ثمة استقلال كاتالوني في الواقع». ووصف الأزمة بين مدريد وبرشلونة بأنها «قضية مؤلمة يجب أن يعالجها الإسبان»، مؤكداً أن الحل «لا يمكن أن يكون بالمواجهة بل بالحوار».
في هذا الوقت، انعكست الأزمة السياسية المتواصلة على المستوى الاقتصادي والمالي، حتى إن صحيفة «إل باييس» الإسبانية عنونت يوم أمس أن التراجع في البورصة هو «الأسوأ منذ البريكست»، وقد هدّدت مصارف كبرى بمغادرة كاتالونيا في حال إصرار الإقليم على الانفصال؛ فمن المقرر أن يناقش بنك «ساباديل»، خامس أكبر بنوك إسبانيا، في ما إذا كان سيخرج من الإقليم، بحسب ما صرّح به متحدث باسم البنك، فيما تراجعت أسهم بنك «كاتالان ليندر ساباديل»، ثاني أكبر بنك في الإقليم، بنحو 10 في المئة هذا الأسبوع. وذكرت تقارير إعلامية أن بنك «كايكسا»، أكبر بنوك كاتالونيا، يدرس أيضاً تغيير مقرّه بعيداً عن الإقليم.
كذلك، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد أند بورز» أنها قد تخفض من تصنيف الدين السيادي في كاتالونيا في الأشهر الثلاثة المقبلة. ورأت الوكالة أن التصعيد الحالي «قد ينسف التنسيق والتواصل بين الحكومتين، وهو أمر ضروري لقدرة كاتالونيا على خدمة دينها بشكل كامل وفي أوانه».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)