سلمت الحكومة اليونانية مقترحات جديدة لثلاثي الدائنين، المفوضية الاوروبية والبنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، قبل ساعتين من حلول منتصف ليل أمس، وانقضاء المهلة التي حددها الأخيرون لتلقيهم قائمة بـ«الإصلاحات» التي يسعون لفرضها كشرط لتمديد برنامج القروض لأثينا، وإبقائها في منطقة اليورو. في الوثيقة المعنونة «الاجراءات ذات الاولوية والالتزامات»، التي تنتظر أن يقرها البرلمان اليوناني والمؤسسات الدائنة المذكورة، تتعهد الحكومة اقرار قسم كبير من الاجراءات التي طلبها الدائنون في 26 حزيران الماضي، ورفضها اليونانيون في استفتاء نُظم الاحد الماضي.

ووفق مصادر «الأناضول»، فالمقترحات الجديدة التي قدمتها الحكومة تتضمن إجراءات تقشفية ترمي إلى توفير 12 مليار يورو، مشيرة إلى أن الرقم يفوق بـ4 مليارات الخطة التي رفضها الشعب اليوناني في الاستفتاء. وأكدت المصادر أنّ وزراء الحكومة اطلعوا على الخطة قبيل تقديمها لمجموعة اليورو، وأنّ وزير الطاقة، بانايوتيس لافازانيس، اعترض على الخطة الجديدة، قائلاً إنها «لن تحل مشاكل اليونان»؛ وذلك فيما أعلن 5 من قادة حزب «سيريزا» الحاكم، بينهم 3 نواب، أن على الحكومة عدم التراجع امام «ابتزاز» الدائنين، وأن عليها التوقف عن دفع الديون، ببساطة.
84% من اليونانيين
يريدون الحفاظ على اليورو
عملة لبلادهم

وتدعو اليونان في نص مقترحاتها الى «تسوية» دينها العام الهائل، والبالغ 320 مليار يورو (180% من اجمالي ناتجها الداخلي)، إضافة الى «رزمة قدرها 35 مليار يورو» تخصص للانفاق التنموي، لا خدمة الدين. وكانت أثينا ترى أنّ خفض ديونها وإعادة هيكلتها شرط أساس لموافقتها على تطبيق أي برنامج «إصلاحات» يسعى الأوروبيون لفرضه، غير أن ألمانيا ترفض هذا الطلب بإصرار. وبعدما كانت المستشارة الالمانية، انغيلا ميركل، قد كررت القول يوم الخميس الماضي إن خفض الديون اليونانية مسألة «غير مطروحة»، غيرت الحكومة الالمانية من لهجتها أمس، وتحدثت عن وجود «هامش صغير جدا» لاعادة هيكلة هذه الديون. وكان رئيس المجلس الاوروبي، دونالد تاسك، ووزير الاقتصاد الفرنسي، ايمانويل ماكرون، قد قالا الخميس إنه لا بد من التطرق إلى مسألة إعادة هيكلة ديون اليونان.
التقارب الكبير بين شروط الدائنين، التي رفضها اليونانيون في الاستفتاء، والمقترحات الأخيرة التي قدمتها اليونان، أثار استغراب العديد من المراقبين، وأثار غضب العديد من مناصري «سيريزا» وكوادره القيادية. وتتضمن الاقتراحات العديد من النقاط التي كان الحزب يعدّها «خطوطاً حمراء» في أدبياته، ومنها زيادة ضريبة القيمة المضافة، ورفع سن التقاعد، وعمليات خصخصة واسعة لقطاعات استراتيجية. بحسب الوثيقة التي قدمتها أثينا، تُحدد ضريبة القيمة المضافة بنسبة 23%، بما في ذلك الضريبة على القطاع السياحي (المطاعم خاصة)، حيث كانت ضريبة القيمة المضافة عند مستوى 13%؛ وذلك مع إبقائها عند النسبة نفسها على جميع السلع الأساسية والكهرباء والفنادق، وإبقائها عند نسبة 6% على الأدوية والكتب وبطاقات المسارح.
وكانت الحكومة ترفض هذا المطلب بشكل قطعي، باعتبار أن العبء الضريبي الأكبر لهذه الضريبة يقع على عاتق محدودي الدخل. وبموجب الوثيقة نفسها، تُرفع سن التقاعد إلى 67 عاما، أو إلى 62 عاما بعد 40 سنة من العمل، وذلك على نحو تدريجي، حتى عام 2022. وكانت الحكومة ترفض هذا الإجراء أيضاً؛ فهو لا يزيد العبء على كاهل المواطنين فحسب، بل يقلص أيضاً فرص الشغور في الوظائف أمام طالبي العمل الجدد، وذلك في ظل وصول بطالة الشباب إلى نسبة غير مسبوقة، تُقدر بنحو 60%، كما وافقت الحكومة في وثيقتها على بيع الحصة الباقية للدولة من رأس مال مؤسسة الاتصالات اليونانية؛ علماً أن شركة «دويتشه تيليكوم» هي المساهم الرئيسي فيها. ولا يقتصر قبول الحكومة إجراءات الخصخصة الواسعة على قطاع الاتصالات، فهي أعلنت في وثيقتها أنها ستُجري استدراج عروض لخصخصة مرفأي بيريوس وتيسالونيكي بحلول تشرين الأول المقبل، كما قدمت أثينا تنازلاً هاماً في عرضها إلغاء الامتيازات الضريبية للجزر (أي التخفيض بنسبة 30% لضريبة القيمة المضافة)، وذلك بدءا بتلك الأكثر جذباً للسياح. وتقترح أثينا بدأ تطبيق هذا الإلغاء بشكل تدريجي في تشرين الأول المقبل، حتى نهاية عام 2016.
وتعرض الحكومة اليونانية في مقترحاتها زيادة الضرائب على الشركات من 26% إلى 28%، عملا بطلب الدائنين، علماً أنها كانت قد اقترحت نسبة 29% في وقت سابق. وعرضت أثينا تخفيض سقف النفقات العسكرية بمقدار 100 مليون يورو عام 2015، و200 مليون يورو عام 2016، بينما كان الدائنون يطلبون خفضاً بقيمة 400 مليون يورو. ومن بين المقترحات الجديدة اتخاذ تدابير لمكافحة التهرب الضريبي، وإعادة تنظيم الآلية المعتمدة لجباية الضرائب. كما اقترحت أثينا توظيف إداريين لتقييم الموظفين العامين، وإقرار سلسلة إجراءات لـ«تحديث» القطاع العام، وذلك ضمن باب «إصلاح الإدارة» العامة. وأخيراً، وبينما كانت أثينا قد وافقت قبلاً على طلب الدائنين تحقيق فائض في الميزانية الأولية (أي دون احتساب خدمة الدين) بنسبة 1% عام 2015 و2% عام 2016 و3% عام 2017، رأت الحكومة ضرورة لمراجعة هذه الأهداف، وذلك على ضوء تردي الوضع الاقتصادي؛ فتحقيق الموازنة العامة فائضا أوليا أكبر يعني أن أمولاً أقل ستخصَص للانفاق الاجتماعي والاستثماري.
في سياق متصل، أظهر استطلاع للرأي نُشرت نتائجه أمس أن 84% من اليونانيين يريدون الحفاظ على اليورو عملة لبلادهم، وان 12% فقط يفضلون العودة إلى العملة الوطنية، الدراخما، وذلك بحسب مؤسسة «مترون أناليسيس» التي أجرت الاستطلاع لحساب صحيفة «بارابوليتيكا». وأظهر الاستطلاع أنه بالرغم من أن الأغلبية الساحقة ممن شاركوا في الاستطلاع يريدون البقاء في العملة الموحدة، فإن 55% قالوا إنه كان من الصواب التصويت بـ«لا» في الاستفتاء حول قبول شروط الدائنين.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، رويترز)