اقتربت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من الفوز بالانتخابات التشريعية المقبلة في 24 أيلول، بعدما خرجت زعيمة «الاتحاد المسيحي الديموقراطي»، أول من أمس، منتصرة في المناظرة التلفزيونية بمواجهة منافسها زعيم «الحزب الاشتراكي الديموقراطي»، مارتن شولتز، فيما بدا الطرفان متفقين بشأن كثير من المواضيع.
تلك المناظرة قد تكون حسمت مواقف بعض الناخبين الألمان بشأن الصويت لميركل التي ظهرت أمس سياسية محنكة، واثقة من المواضيع التي تطرحها، ومدركة لإنجازات عهدها الطويل. في المقابل، لم يقدم رئيس البرلمان الأوروبي السابق، مارتن شولتز، طروحات مختلفة كثيراً عما هو سائد حالياً في البلاد على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي والتي ساهم في وضعها كل من «الاتحاد المسيحي الديموقراطي» و«الحزب الاشتراكي الديموقراطي» على مدى سنوات من الائتلافات الحاكمة.
وفي الاستطلاعات، أُعلنت ميركل الفائزة بالمواجهة التلفزيونية مع شولتز، إذ وفق صحيفة «بيلد» الألمانية، فإن استطلاع قناة «آي آر دي» العامة أظهر أن 55 في المئة يدعمون ميركل بعد المناظرة، مقابل 35 في المئة لمنافسها الأساسي شولتز. كذلك، ذكرت بعض القنوات المحلية في البلاد أن بعض الناخبين رأوا بعد المناظرة أنه لا توجد اختلافات شاسعة بين الطرفين، إضافة إلى أنهما لم يقدما أي شيء جديد.
وبالنسبة إلى شولتز، شكّلت المناظرة فرصة لاستعادة شعبية حزبه التي انحدرت من 30 في المئة في شباط إلى 24 في المئة في الوقت الحالي. وهزت عودة شولتز إلى السياسة الألمانية وترؤسه «الاشتراكي الديموقراطي» السياسة الألمانية لفترة وجيزة، لتعود الأمور وتهدأ، وترتفع في المقابل فرص ميركل.
يأتي ذلك رغم محاولات شولتز إثارة مواضيع حساسة، مثل أزمة المهاجرين التي تحولت إلى موضوع نقاش محتدم في المناظرة، مهاجماً المستشارة بسبب سياسة «الباب المفتوح» التي اعتمدتها قبل عامين وأدخلت مليون مهاجر إلى ألمانيا. واعتبر شولتز أن ميركل أخفقت في إدخالها شركاء ألمانيا الأوروبيين في النقاش بشأن سياسة الهجرة. وردت ميركل بأنها لم تكن تملك في ذلك الحين خيارات واسعة وأنها لم تكن قادرة على تصور واقع تكون فيه حدود ألمانيا مغلقة. وتابعت أنه رغم الأخطاء التي وقعت حينها، فإنها كانت ستتخذ القرار نفسه بفتح أبواب بلادها.
وزاد التوتر بين الطرفين عندما طرح شولتز قضية العدالة الاجتماعية في ألمانيا، معتبراً أن ميركل تتجاهل القلق حول ارتفاع كلفة المعيشة، ومن ضمنها ارتفاع إيجارات العقارات وتراجع المداخيل. وانتقد شولتز استمرار الحكومة بسياستها الداعمة لقطاع السيارات، رغم فضيحة ارتفاع انبعاثات الديزل لدى بعض الشركات التي رأى أن ميركل تحمي مديريها.
في هذا السياق، استقبلت المستشارة الألمانية، أمس، رؤساء بلديات المدن الألمانية الأكثر تلوثاً والتي قد تحظر فيها سيارات الديزل، في وقت تعود فيه أزمة السيارات لتربك الطبقة السياسية، وسط الحملة الانتخابية. وفي هذه الأزمة المتشعبة التي تتداخل فيها المصالح الصناعية مع ضرورات الدفاع عن المستهلك وحماية البيئة، اختارت المستشارة التمسك بخطها المعهود، القاضي بإصدار رسالة ملتبسة والامتناع عن التحرك.

أراد شولتز تحدّي ميركل بشأن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي
وعلى ضوء أهمية الموضوع، يبدو مدهشاً أن المعركة الانتخابية حول الديزل لم تحصل فعلياً. وباستثناء «الخضر» المطالبين بحظر محركات الاحتراق بحلول 2030، تبقى الطبقة السياسية ملتزمة بخط متشابه. وفيما أثار شولتز الموضوع بشيء من الغضب، يتفق المحافظون والاشتراكيون الديموقراطيون في الواقع على الدفاع عن الديزل كـ«تكنولوجيا انتقالية».
وفي جزء آخر من المناظرة، أثار شولتز قضية انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي في وقت ارتفع فيه منسوب التوتر بين تركيا وألمانيا على خلفية مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن الأحزاب الأساسية المشاركة في الانتخابات العامة.
وأراد شولتز تحدي ميركل بشأن قرار حاسم بخصوص تركيا، فجاء إعلان ميركل الصريح بأن «من الواضح أنه يجب ألا تصبح تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي». وبهذا التصريح، حسمت ميركل مستقبل أنقرة في المعسكر الأوروبي، إذ شرحت أنها تود مناقشة وقف مفاوضات الانضمام بين بروكسل وأنقرة، ومع شركائها الأوروبيين للتوصل إلى موقف مشترك بهذا الخصوص.
وبطبيعة الحال، لم يرق هذا الكلام الأتراك، إذ اتهم المتحدث باسم الرئيس التركي، ابراهيم كالين، السياسيين الألمان أمس بالانغماس في الشعبوية. وتابع أنها «ليست مصادفة أن رئيسنا أردوغان كان الموضوع الرئيسي في المناظرة»، مضيفاً أن «هجمات ألمانيا وأوروبا على تركيا وأردوغان، وتجاهلهم المشاكل الجوهرية والملحة تعبير عن ضيق آفاقهم». وأكمل معبراً عن أمله بـ«انتهاء الأجواء الصعبة التي جعلت من العلاقات بين تركيا وألمانيا ضحية لهذا الأفق السياسي الضيق».
واستتبع موقف ميركل قول المفوضية الأوروبية، أمس، إن أفعال السلطات التركية تجعل انضمام أنقرة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي مستحيلاً. وقال متحدث باسم المفوضية في إفادة صحافية، مقتبساً تصريحات أدلى بها رئيس المفوضية جون كلود يونكر قبل دعوة ميركل إلى وقف المحادثات، إن «تركيا تتخذ خطوات ضخمة تبعدها عن أوروبا، وهذا يجعل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مستحيلاً».
لكنه أكد أن أي قرار بشأن وقف عملية الانضمام المتعثرة منذ فترة طويلة هو في أيدي الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الاتحاد وليس المفوضية. في الوقت نفسه، قال المتحدث باسم ميركل شتيفن زايبرت أمس إن تركيا ليست جاهزة للانضمام إلى الاتحاد الآن. وأضاف: «في الوقت الحالي، تركيا ليست في وضع يسمح لها على الإطلاق بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. في الحقيقة، المفاوضات معلقة حالياً»، مشيراً إلى أن قيادات الاتحاد الأوروبي ستبحث المسألة حين تجتمع في تشرين الأول.
(الأخبار)