أبدى الرئيسان الأميركي دونالد ترامب، والفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ لقائهما الأول في أيار الماضي، علاقة يسودها التودّد وأحياناً انعدام الثقة. إلا أن ما حرص الرئيسان على إظهاره، في لقائهما في باريس، أمس، هو الإيحاء بأن الثقة بين البلدين قائمة ولم تتزعزع أبداً، وذلك من خلال الاستقبال الذي قدّمه ماكرون لترامب، وأيضاً التصريحات التي بادله بها الرئيس الأميركي. ترامب أكد أن العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا «راسخة».
وخصّ ماكرون ترامب باستقبال رسمي مع عرض عسكري. وقال علينا «عدم قطع العلاقة» مع الولايات المتحدة أو «عزلها»، والتأكيد على «العلاقات التاريخية» لبلدين حليفين قديمين. كذلك، استقبل ماكرون نظيره بمصافحة حارّة وابتسامة عريضة، على عكس التجهّم المتبادل في أول اجتماع بينهما. وقال ترامب لماكرون، في بداية لقائهما في فندق «ديزافاليدا» الواقع داخل مجمع يعود للقرن السابع عشر: «إيمانويل سررت بلقائك. هذا جميل للغاية». وصحبه ماكرون في جولة في المجمّع العسكري الواسع الذي دُفن فيه نابوليون بونابرت ومحاربون آخرون مشهورون. ثمّ عقد الرئيسان مباحثات لمدة ساعة ونصف ساعة قبل العشاء، مع زوجتيهما في مطعم في الطبقة الثانية من برج إيفل.

ترك ترامب الباب مفتوحاً لتغيير موقفه من اتفاقية باريس للمناخ

وبعد اللقاء، صرّح ترامب في مؤتمر صحافي بأن المحادثات ركّزت على الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وأفريقيا، مؤكداً أن «الصداقة بين شعبينا وبيننا شخصياً راسخة». وأشار إلى أنه بحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز الأمن، وحث قوات التحالف التي تقاتل «داعش» على ضمان أن تظل الموصل مدينة محررة. وقال: «اليوم نواجه تهديدات جديدة من أنظمة مارقة مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا ومن الحكومات التي تمولها وتدعمها. نحن نواجه أيضاً تهديدات خطيرة من منظمات إرهابية». وأضاف: «نجدّد عزمنا على الوقوف متحدين ضد أعداء الإنسانية هؤلاء وتجريدهم من أراضيهم وأموالهم وشبكاتهم والدعم الفكري الذي يحظون به». وأكد أن إدارته ستواصل السعي من أجل اتفاقات تجارية «عادلة قائمة على تبادل المنفعة»، مضيفاً أن المباحثات بشأن اتفاقات مع الصين لا تزال جارية. من جهته، صرح الرئيس الفرنسي بأنه اتفق مع ترامب على وضع خريطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب في العراق وسوريا.
وبعد بداية شائكة للعلاقات بينهما، يجد كل منهما الآن ما يدعوه إلى تحسين العلاقة، فماكرون يأمل النهوض بدور فرنسا في الشؤون العالمية، وترامب الذي يبدو معزولاً بين زعماء العالم يحتاج إلى صديق في الخارج. ويأتي ترامب إلى فرنسا في وقت تعلو فيه نبرة الحديث عن تدخّل روسي في الانتخابات الأميركية عام 2016، وفيما توحي رسائل عبر البريد الإلكتروني التي نشرت الثلاثاء، بأن ابن ترامب الأكبر رحّب بمساعدة من روسيا للفوز على منافسة أبيه الديموقراطية هيلاري كلينتون.
كذلك، يرى ماكرون أن عزل الولايات المتحدة على الساحة العالمية غير بنّاء، ومن المنتظر حدوث تقدم في نهج البلدين لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن. لكن من المستبعد حدوث انفراجة في قضايا أكثر تعقيداً، ومنها رفض ترامب لاتفاقية باريس للمناخ وسياسته «أميركا أولاً». إلا أن الرئيس الأميركي ترك الباب مفتوحاً، أمس، في ما يبدو لتغيير موقفه من اتفاقية باريس للمناخ. وقال: «قد يحدث شيء في ما يتعلق باتفاقية باريس للمناخ. دعونا نرَ ما سيحدث، لكن سنتحدث عن ذلك خلال الفترة المقبلة، وإذا حدث شيء فسيكون رائعاً، وإذا لم يحدث فسيكون الأمر على ما يرام أيضاً».
وبعد أسابيع على استقبال ماكرون للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قصر فرساي، سيحضر ترامب اليوم عرضاً عسكرياً في ذكرى «يوم الباستيل»، وكذلك الاحتفالات بمرور 100 عام على دخول القوات الأميركية الحرب العالمية الأولى. وبالنسبة إلى ماكرون، الذي يبلغ من العمر 39 عاماً، وهو أصغر زعيم فرنسي منذ نابوليون قبل مئتي عام، تمثّل الزيارة فرصة لاستخدام الدبلوماسية الناعمة للفوز بثقة ترامب، والسعي إلى التأثير في السياسة الخارجية الأميركية التي يقول زعماء أوروبيون إنها تفتقر إلى الرؤية.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)