يمثّل الاستفتاء الإيطالي الأحد المقبل معركة سياسية بين رئيس الحكومة الديموقراطي ماتيو رينزي، وقائد «حركة النجوم الخمس» بيبي غريللو.
من جهة، يدعم رينزي تطبيق تعديلات دستورية تطاول مكونات أساسية في النظام السياسي الإيطالي، فيما يناهض غريللو خطط رئيس الحكومة ويقود معسكر الرفض بوجهه. الخيار المقبل سيكون للشعب إذ سيقرر الإيطاليون في الاستفتاء تطبيق أو عدم تطبيق التعديلات المطروحة للتصويت، لكن الرفض الشعبي يهدد بصدمة سياسية كبرى لروما ولبروكسل، وخصوصا أن رئيس الحكومة ماتيو رينزي، تعهد الاستقالة اذا رفض الناس خططه. وبالإضافة إلى اعتبار فشل الاستفتاء رفضاً شعبياً لحكومة رينزي الموالية للأوروبيين، يعتبر أيضاً أنه تصويت على أوروبا نفسها.
ويتمحور الاستفتاء على مجموعة تعديلات أساسية في النظام السياسي الإيطالي، ويطاول حوالى ثلث الدستور، أطلقتها حكومة رينزي واعتمدها البرلمان في وقت سابق هذا العام. يطاول التعديل 47 مادة دستورية من أصل 139، والذي إذا ما طبق، يغيّر النظام البرلماني الإيطالي بشكل جذري بما يسمح لماتيو رينزي بتسهيل تطبيق إصلاحاتٍ يراها تتناسب مع متطلبات وجود إيطاليا في الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي، من الصعب عليه تطبيقها في ظل النظام البرلماني الحالي.
وترجع جذور النظام الحالي إلى عام 1948 حين اعتمد الدستور الإيطالي المكتوب. مرت إيطاليا بعقدين من الحكم الديكتاتوري الفاشي وحرب أهلية، لذا فإن النية في تفادي أي انحرافات غير ديموقراطية في المستقبل فسّرت الخيار في اعتماد نظام برلماني مؤلف من غرفتين تنتخبان مباشرة من الشعب، وتتمتعان بصلاحيات متعادلة وتراقبان بعضهما البعض. وبناء على ذلك، فإن أي حكومة تكون بحاجة لدعم هاتين الغرفتين حتى تتمكن من حصد الثقة وعليها بالتالي الاستقالة إذا خسرت ثقة أي منهما. وينطبق هذا المبدأ على التشريع، إذ لا يمكن تحول أي مشروع قانون إلى قانون ما لم يعتمد في المجلسين.

يرى الأوروبيون
أن فشل الاستفتاء فوز جديد للتيارات الشعبوية


أما الآن، وبعد سبعين عاماً، فلم يعد هذا النظام المذكور ملائماً لجهة أنه يبطئ عملية التشريع، ولذلك فليس من المفاجئ أن يطلق رينزي، رئيس الحكومة منذ عام 2014 والذي جاء تحت عنوان الإصلاح، التعديلات. وتنص التعديلات على تقليص صلاحيات مجلس الشيوخ، أولا عبر خفض عدد نوابه من 315 إلى 100 لا ينتخبون مباشرة من الشعب. وسيتألف مجلس الشيوخ، وفق التعديل، من 74 عضوا من المجالس الإقليمية و21 عمدة، أما الخمسة الباقون، فسيتم تعيينهم من قبل رئيس الحكومة بناء على «مزايا خاصة».
وبهذا، تتحول صلاحيات إعطاء الثقة للحكومة لمجلس النواب، أو الغرفة الثانية المؤلفة من النواب المنتخبين. أما في ما يتعلق بالمسائل التشريعية، فسيبقى للغرفتين صلاحيات متعادلة بخصوص التعديلات الدستورية وانتخاب رئيس الجمهورية وتصديق اتفاقات الاتحاد الأوروبي. لكن، سيظل للغرفة الثانية الكلمة الفصل في عدة مسائل أخرى، وخصوصا إقرار الميزانية. التعديل الآخر يتضمن نظاما انتخابيا جديدا يؤمن الأغلبية البرلمانية لأكبر الأحزاب، وهو ما يسهل لرينزي القيام بالإصلاحات التي تحتاجها إيطاليا «بشدة» كما يقول.
يخشى الأوروبيون فشل الاستفتاء في تمرير تعديلات رينزي، لا بل ينظرون إلى أن وقع ذلك مماثل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب للرئاسة الأميركية لأنه بالنسبة إليهم، يعد فوزا جديدا لما يطلقون عليها تسمية التيارات «الشعبوية». والحديث هنا عن «حركة النجوم الخمس» التي تقود معسكر «لا» في الاستفتاء. ويرى الأوروبيون أن فشل الاستفتاء سيفتح الطريق أمامها في الوصول إلى البرلمان في أي انتخابات مقبلة، وخصوصا أن رينزي ربط مصير حكومته بالاستفتاء. وبالفعل، فإن حظوظ الحركة بقيادة بيبي غريللو في الفوز في انتخابات نيابية، كبيرة، وخصوصا أنها سبق أن فازت برئاسة بلدية روما وتورين. وما يخيف أوروبا، هو أن الحركة المناهضة لليورو سبق أن قالت إنها ستدعو لاستفتاء يطاول وجود إيطاليا في منطقة اليورو وكذلك إعادة جدولة الديون الإيطالية.
العناوين العريضة لمخاوف القادة الأوروبيين والمستثمرين المرتعبة من «زلزال» سيسقط أوروبا في حال رفض الإيطاليون التعديلات، لا تعني بالضرورة أن تصويت الإيطاليين بـ«لا» سيكون له بالفعل تلك النتائج «الكارثية»، إذ لا يزال «الحزب الديموقراطي» برئاسة رينزي الأكبر في إيطاليا، ورغم ارتفاع حظوظ «النجوم الخمس» إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة خسارة حتمية لرينزي.
مع ذلك، فإن الخشية من «الكارثة» بعد فوز «لا» في إيطاليا تعبر عن هشاشة الوضع في أوروبا، وعلى حد تعبير مقال في مجلة «ذي إكونومست» البريطانية، فإنه إذا أدت استقالة رينزي إلى سقوط «منطقة اليورو» فهذا يعني أن «العملة الموحدة كانت ضعيفة جدا لدرجة أن انهيارها لم يكن سوى مسألة وقت».
(الأخبار)