برازيليا | لم تشفع المقاومة الحثيثة للرئيس البرازيلي ميشال تامر، في تجاوز أزمة تورطه في قضايا الفساد التي انهالت عليه بعد اعترافات عدد من المسؤولين ورجال الأعمال. فتامر، الذي راهن على التفاف حلفائه حوله لتطويق تصاعد حظوظ الرئيس العمالي الأسبق لولا دا سيلفا، تلقى ضربة قاضية صوّبها إليه المدعي العام رودريغو جانوت، وذلك بعدما لم يكتف الأخير بتحويل ملفه إلى المحكمة العليا، بل أرفق الدعوى بطلب إقالة تامر من منصبه.
طلبُ جانوت استند إلى «خرق تامر قانون الدولة وحقوق المجتمع واستخدام السلطة كواجهة لممارسة الفساد وتمرير التلزيمات ونهب المال العام»، كما ذكر ملف الدعوى الذي يضم ستين صفحة اتهامات أخرى أهمها تحقير القضاء والمشاركة في إنشاء منظمات إجرامية، وهي اتهامات تصل عقوبتها في حال إثباتها إلى ما يزيد على السجن لمدة عشرين عاماً، بالإضافة إلى وجوب إقالته من أي منصب حكومي وحرمانه حقوقه السياسية.
الصفعة القضائية أفقدت تامر هدوءه، فلجأ إلى المواجهة المباشرة مع النيابة العامة، واصفاً رئيسها بالمغرض، ومتسائلاً عن الأدلة التي يملكها جانوت لإدانته، ثم أعقب تصريحه هجومُ مكتبه الإعلامي الذي وصف جانوت بالعدائي «الساعي إلى تشويه صورة الرئيس لأهداف سياسية خاصة بعيدة عن روح المسؤولية والقانون». وهذا الرد جاء بعد اجتماع عاجل عقده تامر ليل أمس مع عدد من الوزراء والنواب الموالين، فيما اختتمه بإعلان ما سمّاه «مقاومة الافتراءات» التي ترمي إلى إقالته من منصبه دون أسباب موجبة.

الصفعة القضائية استفزت تامر الذي هاجم النيابة العامة

في المقابل، تلقى جانوت هجوم تامر بتصريح مقتضب قال فيه: «لا أحد فوق القانون يا سيادة الرئيس»، ما يشي بمرارة الأيام المقبلة التي سيشهدها الرئيس الحالي أمام سيل الاتهامات وانفكاك عقد التحالف المتهالك بفعل الضربات المتتالية التي وجهها القضاء. وأمام هذا الواقع، برزت المواقف السياسية الداعية إلى استقالة تامر، أبرزها من الرئيس اليميني السابق فرناندو كاردوزو الذي رأى أن الأمور تتجه إلى منحدر خطير، «وهو ما يحتاج إلى وقفة شجاعة لتفادي الأسوأ». ودعا كاردوزو تامر إلى الخروج الهادئ والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، فيما انضم إليه الزعيم العمالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي وصف تامر بالرجل الضعيف و«الذي أسقط اعتبار البرازيل في الداخل والخارج... وإن تمسكه بالسلطة ينمّ عن أنانية وتهور».
ويمثل تحويل ملف تامر إلى المحكمة العليا الإجراء الأول في مسار إقالته، إذ يليه رفع القضية إلى البرلمان الذي يحتاج تصويتاً بغالبية الثلثين، ثم تصديق مجلس الشيوخ بالأغلبية المطلقة التي تعزل الرئيس لستة أشهر، ويستتبع ذلك موافقة المحكمة العليا مجدداً، ثم التصويت على التنحية النهائية التي تقتضي أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ.
المسار الطويل لعملية الإقالة يضع تامر أمام الرهانات الباقية، فالرئيس المتهم ما زال يراهن على عرقلة مسار الإقالة في الدوائر السياسية التي قد تتحكم بها لعبة المصالح على وجوب مكافحة الفساد، لكن مقربين من القصر الرئاسي باتوا على يقين بأن إصرار تامر على المواجهة سيسهم في المزيد من إضعافه، وأن خروجه اليوم قبل الغد سيشكل الحل الأفضل له ولحزبه، وهي قراءة انضمت إليها غالبية فريق الدفاع الذي يخوض معركة يائسة من أجل إثبات براءة الرئيس الذي غرق في وحل الفساد من رأسه حتى أخمص قدميه.