باريس | وجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في هذا التعديل الحكومي الذي أُعلن أمس، فرصة لتحصين الحكومة من الفضائح المالية التي بدأت تلوح في الأفق. ففي خطوة استباقية، قرر ماكرون إبعاد ذراعه اليمنى، الرجل الثاني في حزب «تشغيل الجمهورية» (الجمهورية إلى الأمام) ريشار فيرون، من الحكومة. لكن ذلك لم يُربط رسمياً بالفضائح المالية التي طاولته خلال الأسابيع الماضية، إذ كانت الحجة التي قدُمت لتبرير تنحيه عن منصبه الوزاري ترشيحه لتولي رئاسة الكتلة النيابية الماكرونية في البرلمان الجديد.
زعيم «التيار الديموقراطي» فرنسوا بايرو، الذي شكّل حليفاً وسطياً قوياً لماكرون خلال معركة الرئاسة، حاول أن يلتف بالأسلوب ذاته على فضائح الوظائف الوهمية التي طاولت حزبه في البرلمان الأوروبي. في مرحلة أولى، كان بايرو يأمل الاكتفاء بتنحية وزيرته سيلفي غولار، المعنية مباشرة بتلك الفضائح، من منصبها كوزيرة للجيوش (الدفاع). لكنه اضطر هو الآخر إلى التخلي عن ذراعه اليمنى، ماريال دي سارنيز، التي كانت تشغل منصب وزيرة الشؤون الأوروبية، لكن من دون ربط ذلك بالفضائح المالية، إذ أُعلن أن الهدف هو ترشيحها لرئاسة الكتلة النيابية لـ«التيار الديموقراطي».
لكن ذلك لم يكن كافياً، فبعد ساعات طويلة من التجاذبات الشاقة التي جرت ليل أول من أمس، في كواليس الإليزيه، اضطر بايرو إلى إعلان تنحيه من منصبه وزيراً للعدل. وكان واضحاً أن هذا التسونامي الذي عصف بوزراء «التيار الديموقراطي»، الذين كانوا يحتلون ثلاثة من أبرز الحقائب في حكومة ماكرون الأولى، لم يندرج فقط ضمن المساعي الهادفة إلى تحصين الفريق الحكومي من الهزات المرتبطة بالفضائح المالية. فقد دفع حزب فرنسوا بايرو، بأسرع مما توقعه الخبراء، ثمن الأغلبية المطلقة التي حصل عليها حزب الرئيس ماكرون، بحيث لم يعد ماكرون بحاجة إلى تشكيل ائتلاف برلماني مع «التيار الديموقراطي»، وخاصة أن هذا الحزب الوسطي كانت لديه تحفظات قوية على الإصلاحات الليبرالية المغالية التي يعتزم فريق ماكرون من خلالها تعديل قوانين العمل تجاوباً مع اشتراطات أرباب العمل والشركات الكبرى المتعددة الجنسيات.

شكّل التعديل فرصة لمكافأة عدد من الكوادر الشابة في
حزب ماكرون

ولم يكفِ تعيين شخصيتين من حزب بايرو في منصبي نائبتي وزير (جاكلين غورو في وزارة الداخلية، وجوزيفين داريوساك في وزارة الدفاع)، للتغطية على هذه الدوافع السياسية التي جعلت ماكرون يسارع إلى التخلص من حليفه الوسطي، خاصة أن فرنسوا بايرو وماريال دي سارنيز غير معنيين شخصياً أو مباشرةً بالفضائح المالية.
في مقابل خروج الوسطيين من الحكومة، دشن هذا التعديل بداية إعادة تطبيع العلاقات بين ماكرون والتيار الليبرالي في «الحزب الاشتراكي» الذي خرج أصلاً من معطفه. فقد عادت الحقائب الوزارية الأربعة الرئيسيّة التي شملها التعديل إلى شخصيات من هذا التيار، إذ تولت نيكول بيلوبيه وزارة العدل، وفلورانس بارلي وزارة الجيوش (الدفاع)، وستيفان ترافير وزارة الزراعة، وناتالي لوازو وزارة الشؤون الأوروبية. بينما انتقل جاك ميزار، الذي ينتمي إلى حزب «الراديكاليين اليساريين» من وزارة الزراعة إلى وزارة التماسك الإقليمي (الجماعات المحلية)، التي كان يشغلها ريشار فيرون من قبل.
من جهة أخرى، احتفظ الجناح اليميني (حزب الجمهوريين واتحاد الديموقراطيين المستقلين) في الائتلاف الموالي لماكرون بالحقائب المفتاحية التي تتحكم بالتوجه السياسي والاقتصادي، إذ بقي إدوار فيليب رئيساً للوزراء، واحتفظ برينو لومير بوزارة الاقتصاد، وجيرار دارمانين بوزارة الأداء الحكومي والخزينة العمومية.
التعديل كان أيضاً فرصة لمكافأة عدد من الكوادر الشابة في حزب ماكرون، ممن أسهموا في فوز الحزب بالأغلبية المطلقة في البرلمان، إذ احتفظ كريستوف كاستانير بمنصبه كنائب وزير مكلف بالعلاقات مع البرلمان ومتحدث باسم الحكومة، بينما تولى بنجامين غريفو حقيبة نائب وزير الاقتصاد والمالية. أما منير محجوبي، الذي نجح خلال الانتخابات التشريعية في إطاحة الأمين العام لـ«الحزب الاشتراكي» جان كريستوف كومباديليس، فقد عُدّ أول وزير من أصول مهاجرة في تشكيلة حكومة ماكرون الثانية، إذ عُيِّن نائب وزير مكلَّفاً التكنولوجيا الرقمية.