باريس | لم تخالف نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية توقعات المحللين ومراكز استطلاع الآراء، فقد أحرز حزب «تشغيل الجمهورية» (حزب «الجمهورية إلى الأمام») الموالي للرئيس إيمانويل ماكرون، الغالبية المطلقة بـ32% من الأصوات، وهو ما يؤهله نيلَ ما بين 390 و430 مقعداً برلمانياً من مجموع 577.
المفاجأة الكبرى التي جاء بها هذا الاقتراع تمثلت في ارتفاع قياسي في نسبة المقاطعة التي تجاوزت عتبة 50%، وهذه سابقة تاريخية ليس في فرنسا فحسب، بل في تاريخ الديموقراطيات الغربية، إذ إنها المرة الأولى التي تسفر فيها انتخابات نيابية عن منح الغالبية المطلقة في البرلمان لحزب سياسي لم ينل سوى أقل من سُدس الناخبين. فنسبة 32%، التي أحرزها حزب ماكرون في ظل امتناع أكثر من نصف المسجلين على القوائم الانتخابية عن المشاركة، لا تمثل في الواقع سوى أقل من 15% من مجموع الناخبين.

عملياً صوّت لحزب ماكرون أقل من 15% من مجموع الناخبين

الاقتراع أسفر أيضاً عن إعادة تشكيل جذرية لموازين القوى بين قوى اليمين واليسار في البرلمان. ووفقاً للتقديرات الأولية التي كُشف عنها مساء أمس، حلّ الائتلاف اليميني (يضم «حزب الجمهوريين» و«اتحاد الديموقراطيين المستقلين») في المنزلة الثانية بـ21 ٪ متبوعاً بـ«الجبهة الوطنية» (اليمين المتطرف) التي نالت 14%. أما على اليسار، فنالت حركة «فرنسا المتمردة» بزعامة جان لوك ميلانشون 11% متقدمة للمرة الأولى على «الحزب الاشتراكي» الذي لم ينل سوى 10% من الأصوات.
لكن هذه التوازنات الجديدة لن تترجم فعلياً لجهة توزيع المقاعد البرلمانية. فنظام الاقتراع بالغالبية المباشرة على دورتين يُرجّح على الدوام كفة الأحزاب الكبيرة المتجذرة في الدوائر الانتخابية كافة . وائتلاف اليمين التقليدي، مثلاً، مؤهل لنيل ما بين 80 و132 مقعداً، بفضل 21% من الأصوات، فيما لن تنال «الجبهة الوطنية» التي أحرزت 14% سوى أقل من 10 مقاعد.
الشيء نفسه سيكون على جهة «اليسار»، إذ يُرتقب ألا تنال «فرنسا المتمردة» سوى 10 إلى 23 مقعداً، برغم أنها أحرزت 11% من الأصوات، فيما سينال «الاشتراكي» ما بين 15 و40 مقعداً، مع أنه لم ينل سوى 10%.
من الأسئلة الأخرى التي استقطبت الاهتمام خلال هذا الاقتراع مصير عدد من الوزراء الذين يهدد الاقتراع النيابي بإبعادهم من الحكومة في حال خسارتهم. وفي مقدمة هؤلاء، يأتي الوزير ريشار فيرون الذي طاولته فضائح الفساد أخيرا، وطالب بعضهم باستقالته. لكن الجدل الذي أثارته تلك الفضائح لم يؤثر في ناخبيه داخل مقاطعة فينيستير، حيث حلّ في المنزلة الأولى في هذه الدورة الأولى بـ 45% من الأصوات.‏ الشيء نفسه بالنسبة إلى وزير الاقتصاد برينو لومير، الذي تصدر في مقاطعة نورماندي، برغم الحملة الشرسة التي شنها ضده رفاقه السابقون في صفوف «الجمهوريين»، الذين رأوا دخوله إلى حكومة ماكرون «خيانة للحزب».
وتشير التقديرات الأولية إلى أن قاعدة الإقصاء البرلماني لن تشمل سوى وزيرتين في حكومة ماكرون من مجموع ستة وزراء خاضوا معترك الانتخابات التشريعية. الأولى هي الاشتراكية إيستل غرولييه، التي أُقصيت منذ الدورة الأولى في مقاطعة سين ماريتيم. أما الثانية، فهي وزيرة «مقاطعة ما وراء البحار» أنيك جيراردين، التي تنتمي إلى حزب «الراديكاليين اليساريين»، والتي تأهلت للدورة الثانية في سان بيار إي ميكرلان، لكن حظوظها في الفوز ضئيلة جداً.
رئيس الحكومة، إدوار فيليب، وصف نتائج هذا الاقتراع بـ«التاريخية»، مؤكداً أنها تؤشر على «عودة فرنسا»، ووعد بأن «البرلمان المقبل سيعكس وجهاً جديداً لفرنسا قوية وموحدة، تهتم باحتياجات كل واحد من مواطنيها». أما زعيم «فرنسا المتمردة»، جان لوك ميلانشون، وزعيمة «الجبهة الوطنية»، مارين لوبن، فقالا إن تجاوز نسبة المقاطعة عتبة 50% يشكل «طعناً جدياً في شرعية البرلمان المقبل».
في المقابل، اعترف الحزبان المهيمنان تقليدياً، «الاشتراكيون» و«الجمهوريون»، بأن حزب ماكرون نال الغالبية، لكنهما شددا على ضرورة تجنيد الناخبين في الدورة الثانية، وذلك لتفادي أن تتحول هذه الغالبية إلى «برلمان أحادي اللون»، وفق تعبير «الجمهوري» ألان جوبيه، أو إلى «حزب واحد مهيمن»، كما قال الأمين العام لـ«الاشتراكي»، جان كريستوف كومباديليس.