طهران | مهما تكن هوية المنفذين والجهة التي تقف خلف الهجوم الذي استهدف مواقع حساسة في إيران، دعماً وتخطيطاً، فإن شد العصب الذي عاشه الشارع لأربع ساعات واستنفار السلطات الأمنية والعسكرية والسياسية يعيد الصورة إلى مشاهد كاد الإيرانيون أن يمسحوها من ذاكرتهم، بعدما اعتادوها نهاية الثمانينيات عقب انتهاء الحرب مع العراق. مشاهد كانت طهران مسرحاً لها، تجلّت في عمليات مسلّحة واغتيالات بالجملة، قامت بها مجموعات معارضة، على رأسها ما يعرف بـ«مجاهدي خلق». بعد سلسلة محاولات، كان آخرها قبل عشر سنوات في زاهدان، فشلت كل التنظيمات المتطرفة في الوصول إلى العمق الإيراني. وبقي لأكثر من 25 عاماً مصاناً من الاعتداءات التي سبق أن استهدفت شخصيات عسكرية وعلماء نوويين، وكانت محددة الهدف بشكل لا يطرح تساؤلات حول هوية الجهات التي نفذتها.
الهجوم الثلاثي الذي أحبط أحد أضلعه الثلاثة عند أبواب موسسة رسمية، كان مخططاً له أن يشكل صدمة في الواقع السياسي الإيراني تحبط المعنويات، من دون أن يكون هدفه الرئيسي إزهاق الأرواح وتدمير الماديات. فالمجموعات مدربة وجاهزة ومعبأة للقتال حتى الرمق الأخير، ولا ينقصها الجرأة ولا الحافز. فالهدف هزّ صورة العاصمة، وإيصال رسالة لا تدفع طهران إلى الانجرار وراء رد فعل عنيف، بل تتلقف الضربة وترد عليها بشكل موضوعي يتناسب مع حجم الرسالة، مع معرفة المنفذين أن الرد غير العلني لن يتأخر في مواقع كثيرة.
لو كان الهدف (والقدرة) إيقاع أكبر حجم من الأضرار، لكانت عملية ضريح الإمام الخميني، جنوب طهران، قد نُفّذت قبل ثلاثة أيام، بالتزامن مع الذكرى الثامنة والعشرين لوفاة مؤسس الثورة الإسلامية. حينها كان يمكن إيقاع عشرات بل مئات الضحايا، بسبب كثافة الحشود التي توجهت إلى الضريح لإحياء المناسبة، فكان القرار ــ ربما ــ بتأجيلها وتوجيه ضربة رمزية. وهو ما يتقاطع مع خيار استهداف البرلمان، ومحاولة احتجاز نواب كرهائن، والمطالبة بالإفراج عن معتقلين تابعين لتنظيم «داعش» تم اعتقالهم على مدى السنوات الأخيرة في إيران.
الهجوم الذي نفذه أربعة مهاجمين تنكّروا بزي نسائي لإخفاء الأسلحة تحت الملابس الفضفاضة، توجهوا إلى النقطة الأقل حراسة وأمناً في المجمع البرلماني، ومن هناك اقتربوا نحو حراس المبنى وفتحوا النار عن قرب، قبل أن يتوجهوا إلى الداخل تحت ستار تغطية نارية تدل على حرفية المنفذين وتلقيهم تدريبات عالية، وبسرعة صعدوا إلى الطبقة المخصصة لمكاتب النواب. غير أن بعض التحليلات تقول إن الهدف كان التوجه إلى قاعة مجلس الشورى وهو أمر مستبعد لوجود أكثر من نقطة تفتيش أمنية وعوائق إلكترونية تمنع وصولهم إليها. وعقب وصولهم إلى مكاتب النواب، تم إطلاق النار على كل من قاوم، وبدأت عمليات التمشيط بحثاً عن رهائن لاحتجازهم. وتم اختيار المبنى الملاصق للشارع لتنفيذ العملية، وذلك لإظهار كثافة النيران ومنع التعتيم الإعلامي على العملية.
ووصلت إلى المكان وحدة خاصة تابعة للحرس الثوري، يقودها قائد الوحدات البرية في الحرس، العميد محمد باكبور. كما تم نشر عدد من القناصين على المباني المحيطة. وبالتوازي، وصل إلى داخل البرلمان قائد الحرس الثوري اللواء محمد جعفري، مع عدد من كبار الضباط، وشكلوا خلية عمليات لمواجهة الأزمة. في هذه الأثناء، خرج أحد المسلحين من المبنى محاولاً الوصول إلى الشارع، قبل أن يعود إلى الداخل بعد تعرضه لإطلاق نار كثيف من القوات الموجودة.
بعدها، بدأت العملية لتنظيف المبنى والتاكد من عدم وجود رهائن بيد المهاجمين، ومنعهم من التمركز في مكان معين. ومع تغطية من فريق القناصين الذي كان يستهدف أي تحركات مشبوهة داخل المبنى، قاد العميد باكبور شخصياً القوات التي تسللت إلى الطبقة العلوية، وقتلت أحد المهاجمين الأربعة. وعقب محاولة المهاجمين الباقين إطلاق النار من النوافذ، باتجاه القوات الموجودة في الشارع، تمكن القناصون من تحديد أماكنهم، وبدأت العملية داخل المبنى. وتم إطلاق النار على أحد المهاجمين قبل أن يفجر نفسه. ومع تضييق الخناق على المهاجمَين الآخرين، ووصول القوات على بعد أمتار من مكان وجودهما، عمدا الى تفجير نفسيهما عبر أحزمة ناسفة كانت بحوزتهما، لتنتهي العملية بسقوط 12 ضحية في العمليتين، إضافة إلى المهاجمين الستة.
انتهت العملية الأمنية من دون أن تحدث أضراراً مادية بقدر أضرارها المعنوية. والآن، ينتظر تحديد هويات المنفذين وما سيلي ذلك من تتبع لخيوط العملية، وصولاً إلى الرأس المدبر والداعم. فالجمهورية الإسلامية وضعت المنفذ والممول في سلة واحدة، وعادة ما تقوم بالرد بصمت، غير أن اهتزاز صورتها الأمنية قد يدفعها إلى الرد بصوت عال هذه المرة. العمليتان تجاوزتا خطوط إيران الحمر، وهي لن ترى بعد الآن حاجة إلى مراعاة حساسيات واعتبارات على حساب أمنها الداخلي والقومي.