منذ اليوم الأول الذي دخل فيه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، صدرت المطالبات بالقيام بإجراءات إقالته أو عزله. مطالبات حتى الآن لا يمكن إخراجها من حدود تمنيات أطلقها خصوم الرئيس الجديد، على الرغم من أن بعضهم ذهب إلى حدّ تحويلها إلى مشاريع قوانين محلية ضمن المدن الأميركية، أو إلى حدّ التصريح بها في قاعات الكونغرس الأميركي.
بدأت هذه الدعوات، في يوم تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني الماضي، على شكل عريضة وقعها مواطنون أميركيون، بالتزامن مع إطلاق موقع إلكتروني بعنوان impeachdonaldtrumpnow.org (أقيلوا دونالد ترامب الآن). ثمّ راحت تتكرّر في كل مرة يقوم فيها ترامب أو أحد أعضاء إدارته بـ«عمل ناقص»، بينما كانت تتفاعل الاتهامات بالتدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، وما يأتي من ضمنها من اتهامات أخرى تتعلّق بتواصل مقرّبين من الرئيس مع مسؤولين روس.
في هذا الوقت أيضاً، كانت الدعوات الفردية لإجراءات عزل ترامب تتحوّل إلى جماعية، عبر عرائض أو مشاريع قوانين صوتت عليها المجالس المحلية في المدن الأميركية، التي تقع غالبيتها في دائرة الحزب الديموقراطي الانتخابية. بروكلين في ماساتشوستس هي آخر حكومة محلية ترسل رسالة إلى الكونغرس في هذا الشأن، وهي عاشر مقاطعة في الولايات المتحدة تطالب بعزل دونالد ترامب. ويدعو مشروع القانون الصادر عنها أعضاء الكونغرس في واشنطن للنظر في عملية الإقالة، كما يدعم القيام بتحقيق قانوني. وكانت قد سبقتها كامبريدج وأمهرست وغيرها من المدن التابعة لولاية ماساتشوستس، لتنضم بذلك إلى لوس أنجلس، وريتشموند وألاميدا في كاليفورنيا. أيضاً، دعم 32 عضواً في مجلس مدينة شيكاغو مشروع قانون للتحقيق في أعمال الرئيس وعزله، ولكن لا يزال هذا المشروع قيد التصويت.
مع ذلك، لا يمكن الحكومات المحلية أو العريضة الإلكترونية أو استطلاعات الرأي التي تحبّذ الإقالة، وغيرها من المساعي، أن تحرّك عملية قانونية باتجاه عملية العزل، ولا سيّما أن الدعوات الصادرة في هذا الإطار سياسية، ولا تحمل أي أساس قانوني إلى الآن. هذه القوة يملكها فقط الكونغرس الأميركي بناءً على اتهامات رسمية بأعمال غير قانونية قام بها الرئيس خلال ولايته، وليس من الضرورة أن تؤدي إلى الإقالة كما يتمنّى البعض. مثال واضح على ذلك، هو إجراءات الإقالة التي خضع لها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، في مجلس النواب، في 19 كانون الأول 1998، ثمّ برّأه مجلس الشيوخ في 12 شباط 1999، من التهم التي اعتبر مذنباً فيها، وهي الكذب في الحلف وعرقلة سير القانون بسبب فضيحة مونيكا لوينسكي.

تقدّم أحد أعضاء الكونغرس بطلب
إقالة ترامب
لـ«عرقلته العدالة»


من آخر الدعوات التي طالبت بإقالة ترامب، تلك التي تتضمّن اتهامات بعرقلة العدالة. عضو الكونغرس آل غرين، مثال على ذلك، فقد صرّح منتصف الشهر الماضي بأنه يجب عزل الرئيس. وتقدم بطلب بهذا الشأن، بسبب عرقلة ترامب «سير العدالة» بعد إقالته رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، الذي كان يجري تحقيقاً في اتصالات مزعومة بين حملة ترامب وروسيا، خلال الانتخابات الأميركية في 2016.
إلا أن البعض واجه هذه الدعوات بذرائع دستورية وقانونية. وفي هذا السياق، هاجم آلان ديرشويتز، أستاذ القانون الفخري في جامعة هافرد، المطالبات بعزل الرئيس الأميركي بحجة موقفه حيال قضية التدخل الروسي في السياسة الأميركية وعزله لمدير الـ«اف بي آي»، موضحاً أن الرئيس يمتلك من الصلاحيات ما يسمح له بالتواصل مباشرة مع القضاء، واتخاذ ما يراه مناسباً حيال المحاكمات.
ديرشويتز قال في مقابلة مع شبكة «سي ان ان»: «إنّ الرئيس لم يعرقل القانون، إذ يحق دستورياً لرئيس الولايات المتحدة الطلب من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية عدم التحقيق في قضايا بعينها والاكتفاء بالتحقيق في قضايا أخرى»، مضيفاً أن «هذا هو مفهوم توحيد السلطة التنفيذية بيد شخص واحد وهو الرئيس الذي يتولى كامل السلطات».
وللاستدلال على صحة رأيه، أشار ديرشويتز إلى أنه «سبق للرئيس طوماس جفرسون (حكم بين عامي 1801 و1809) أن وجه أوامر للمدعي العام آنذاك، آرون بار، الذي كان قد استدعى بعض الشهود في قضية ما وأعطاهم الحصانة، ومع ذلك اتصل جفرسون بوزير العدل آنذاك، جون مارشال، وهدّده بعزله من منصبه بحال صدور حكم إدانة».
وأضاف: «نحن منذ أيام فضيحة ووترغيت (التي تعرض لها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1972) أسسنا لقواعد داخل وزارة العدل تحول دون وجود اتصال بين الرئيس والإف بي آي وكذلك بين الرئيس والسلطات القضائية. هذه القواعد ليست قوانين يمكن معاقبة من ينتهكها، بل هي أنظمة داخلية، ولذلك لا يمكن الاستناد إليها لاتهام الرئيس بعرقلة العدالة».
(الأخبار)