برازيليا | لم تكن الساعات الخمس التي قضاها الرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو دا سيلفا، أمام خصمه اللدود القاضي سيرجيو مورو، ثقيلة على «الحزب العمالي» فحسب، بل شكلت ضغطاً كبيراً على المؤسسة القضائية العليا التي وجدت نفسها أسيرة عداء حوله قاضٍ شاب إلى قضية رأي عام خولته التحكم بخيوط هذا الملف، وسوق أكثر الزعماء قوة وحضوراً لأخذ إفادته حول الاتهامات بضلوعه في فضائح الفساد التي هزت الساحة السياسية البرازيلية.
حافظ القاضي مورو على مكسبه الأول الذي تمثل بإجبار دا سيلفا على الحضور إلى كوريتيبا، رغم الدفوع الثلاثة التي قدمها فريق الدفاع لتفادي هذه المواجهة التي شكلت الحدث الأبرز على مستوى المنطقة اللاتينية. وافتتح مورو جلسة الاستماع، محاولاً ضبط إيقاعها عبر الطمأنات التي قدمها إلى الزعيم العمالي، لكن هدوء القاضي «المتمرد» لم يمنعه من استفزاز دا سيلفا الذي انبرى محامو الدفاع عنه إلى المقاطعة المستمرة اعتراضاً على ما وصفوه بتمادي مورو في أسئلته وتجاوز صلاحياته القانونية عبر الدخول في ملفات سياسية وقضائية خارج حدود صلاحيته.
قسّم قاضي التحقيق الملف الاتهامي إلى قسمين: الأول تناول قضية تملك دا سيلفا شقة فخمة في منطقة كواروجا شمال ساوباولو، والثاني معرفته المسبقة بالاختلاسات التي كان يرتكبها المدير السابق للشركة النفطية البرازيلية «بتروبراس» باولو كوستا، والاستفادة منها عبر دعم الحملات الانتخابية لحزب «العمال».

المحاكمة فصل أول في مواجهة مقبلة في مقدمتها الرئاسيات

في القضية الأولى نفى الزعيم العمالي نفياً قاطعاً أن يكون قد استحصل على الشقة المذكورة دون أن ينفي وجوده مع زوجته فيها عام 2012 بغية الاطلاع عليها بنية الشراء، لكن الأمر قد انتهى في لحظتها.
إصرار مورو على تكرار الأسئلة أثار استياء الدفاع الذي قاطعه مراراً، معترضاً على ما وصفه بالبحث عن بعض التناقضات، وهو ما يشي بأن المسار القضائي يأخذ اتجاهاً عدائياً، إذ إن بنية القضية الأساسية تستند حصراً إلى إفادات الشهود دون وجود أي دليل محسوس على تملك هذه الشقة وإعادة صيانتها.
ولفت فريق الدفاع إلى أن ربط هذا الملف بفضائح الفساد التي طاولت عدداً من الشركات الكبرى يوضح أن الاتهام الأول ضعيف إلى حد استوجب تضخيمه وتحويله إلى أداة للمواجهة السياسية، وهي المواجهة التي استفاض دا سيلفا في التعبير عنها، رغم محاولة قاضي التحقيق إبعاد هذا النقاش عن مسار الجلسة.
المواجهة في قاعة المحكمة أعقبها دا سيلفا بلقاء مع مناصريه الذين احتشدوا منذ الصباح تأييداً لزعيمهم الذي خاطبهم باكياً: «لو كان هناك برازيلي معني بكشف الحقيقة، فهو أنا. لقد تمادوا في اتهامهم ومحاولتهم إلحاق الأذى بي وبتاريخي... عن أي جرم يتحدثون، وأي أدلة يحوزون... أقول لكم إنني إنسان حي وسأخوض المواجهة حتى النهاية، وأولها خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة». ويؤكد العماليون أن محاكمة دا سيلفا هي الفصل الأول في المواجهة السياسية المقبلة، وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية التي أظهرت كل مؤشراتها الأولية تفوقاً ملحوضاً للزعيم العمالي. ويستند أنصار اليسار إلى مطالعات حقوقية تصف القضية برمتها بأنها فارغة في مضمونها، لكنها شديدة التعقيد في الحسابات السياسية التي يبدو أنها تسلك المسار نفسه الذي أطاح الرئيسة السابقة ديلما روسيف.