بانتظار بدء مفاوضات الخروج الرسمية من الاتحاد الأوروبي في حزيران المقبل، تزداد حدة التوتر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، مع اتهام رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، مسؤولين أوروبيين بالرغبة في التدخل في الانتخابات التشريعية البريطانية من خلال تسريب مضمون المباحثات حول خروج المملكة من الاتحاد، معتبرة أنهم لا يريدون نجاح الـ«بريكست».
ماي التي تحاول الخروج بموقف قوي حول «بريكست» بعد الانتخابات العامة المبكرة، تابعت في تصريحها أمس، بعد اجتماعها بالملكة إليزابيث الثانية لإبلاغها حلّ البرلمان تمهيداً للانتخابات في 8 حزيران، أن «البعض في بروكسل لا يريدون نجاح المفاوضات ولا يرغبون في نجاح المملكة المتحدة». واتهمت ماي بروكسل بتعمّد إطلاق «تهديدات ضد بريطانيا» بشأن مفاوضات الخروج، للتأثير في نتيجة الانتخابات المرتقبة الشهر المقبل.
وتحدثت ماي عن «تشديد» المفوضية الأوروبية «موقفها التفاوضي»، معتبرةً أن ذلك يأتي «في توقيت متعمّد» من أجل التأثير في الانتخابات. وشددت رئيسة الوزراء البريطانية على أن «من سيفوز في انتخابات 8 حزيران ستكون أمامه مهمة كبرى، هي الحصول على أفضل اتفاق ممكن للمملكة المتحدة في ملف بريكست»، وذلك في بيان شديد اللهجة تلته أمام مقر الحكومة البريطانية في داونينغ ستريت، بعد ساعات على تحديد مفاوض الاتحاد الأوروبي خططه للمفاوضات.
وكان كبير مفاوضي الاتحاد الاوروبي بشأن البريكست، ميشال بارنييه، قد قال في وقت سابق إنه لا يسعى إلى «معاقبة» بريطانيا. وأضاف بارنييه، الفرنسي الجنسية الذي اختارته المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد لتمثيلها على طاولة المفاوضات مع بريطانيا، أن «الانسحاب من الاتحاد ليس رقماً أو ثمناً يجب دفعه. إنه خروج منظّم مع حسابات يجب تسديدها ومجموعة مسائل» يجب تسويتها. وحضر بارنييه إلى بروكسل ليعرض خطته للتفاوض، أي «القضايا التي تُعدّ في هذه المرحلة ضرورية لانسحاب منظّم لبريطانيا»، كما جاء في وثيقة نشرت أمس. وعلى الدول الأعضاء تبنّي «توصيات» المفوضية في 22 أيار الجاري، وعندها ستكون الدول الـ27 جاهزة قانونياً لإطلاق المفاوضات مع لندن.
وتُعدّ «التسوية المالية» إحدى أبرز المسائل الشائكة بين الطرفين، أي المبلغ الذي يطالب الاتحاد الأوروبي به بريطانيا لتغطية التزاماتها في الموازنة. ويُقدّر بين 40 و60 مليار يورو، وفقاً لتقديرات أوروبية، و100 مليار بحسب صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.
وقال بارنييه إن «الأمر ليس عقاباً ولا ضريبة خروج»، مؤكداً أنه «يريد الاتفاق مع لندن حول أسلوب صارم لحساب التزاماتها». في المقابل، أعلن الوزير البريطاني المكلف بـ«بريكست»، ديفيد ديفيس، في حديث إلى قناة «إي تي في»، أن بلاده «لن تدفع» 100 مليار يورو. وأضاف أن «بريطانيا ستخوض المفاوضات كطرف مفاوض وليس كمتسوّل».
من جهته، يرفض بارنييه التحدث عن «فاتورة» ولا يرغب في تقديم أرقام نهائية، ويؤكد أن الاتحاد لن يطالب بريطانيا بـ«شيك على بياض». وأوضح أنه يجب احترام الالتزامات التي اتخذت في الإطار المالي لعدة سنوات، والذي تمّ تبنّيه في 2013 ويغطي الفترة الممتدة بين 2014 و2020. وأضاف أنّ هذه المبالغ «بدأ استخدامها»، وسنواجه «مشاكل في حال أخضعت البرامج للتعليق أو للاقتطاع». وأوضح أن بريطانيا ستبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي حتى 29 آذار 2019 على أبعد تقدير.
وإلى جانب المسألة المالية، فإن من أولويات الاتحاد الأوروبي حماية وضمان الحقوق المكتسبة لرعاياه خلال فترة انضمام بريطانيا إلى الاتحاد، أي نحو ثلاثة ملايين أوروبي يقيمون في بريطانيا منذ خمس سنوات أو أكثر. كذلك، يجب ضمان حقوق الإقامة وأيضاً الحقوق المرتبطة بسوق العمل والتربية والتأمين الصحي والاعتراف بالشهادات. وستضمن محكمة العدل الأوروبية هذه الحقوق في نهاية المطاف، وفق بارنييه.
وتحدث ديفيس بدوره عن أن نية بريطانيا في المفاوضات المتعلقة بوضع مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد المقيمين بالفعل في المملكة المتحدة، هي منحهم حقوقاً مشابهة للحقوق التي يتمتعون بها الآن. وأضاف أن من المهم الاتفاق سريعاً على الحقوق المستقبلية لرعايا الاتحاد الأوروبي المقيمين في بريطانيا والبريطانيين المقيمين في دول أخرى في التكتل بعد انسحاب بريطانيا في 2019، لأن الغموض يثير قلق هؤلاء الناس.
إلا أن تصريحات ديفيس قد تخالف ما لمّحت إليه رئيسة وزرائه ماي، خلال حفل عشاء مع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، وفق تقرير لصحيفة «فرانكفورت ألغماينه تسايتونغ» الألمانية. وكانت الصحيفة قد قالت إن «ماي تعتقد بأن قضية رعايا الدول الأعضاء في الاتحاد في بريطانيا لن تكون مشكلة، إذ ببساطة يمكن معاملتهم مثل رعايا أي دولة ثالثة». وأشارت تقارير إلى أن يونكر ردّ بأن «ذلك سيمثل مشكلة كبيرة، إذ إن رعايا الاتحاد يتمتعون حالياً بالكثير من الحقوق الخاصة، وسيكون من الضروري بحث تفاصيل مثل التأمين الصحي».
وقد سرّبت الصحيفة الألمانية أن يونكر قد شبّه ماي، بعد مأدبة عشاء في لندن الأسبوع الماضي، بمن «يعيش على كوكب آخر»، وذلك بشأن المفاوضات. لكن رئيسة الوزراء البريطانية وصفت مقال الصحيفة، الذي أعطى صورة متشائمة عن تحضيرات المفاوضات واستخدمتها المعارضة البريطانية لنقد استراتيجية ماي، بأنه «ثرثرات مصدرها بروكسل».
وردّ مساعدو ماي بأن مباحثاتها في لندن مع يونكر وبارنييه كانت بنّاءة، في حين قالت الصحيفة الألمانية إن يونكر خرج من الاجتماع متشائماً جداً بشأن التوصل إلى اتفاق، بعدما رفضت ماي أي تسوية بشأن جدول المفاوضات التجارية. واعتمد نواب من المعارضة على المقال لانتقاد سياسة ماي، إذ رأى النائب العمالي جون ماكدونيل أنّ المقال «مقلق جداً»، وأنه يؤكد الطريقة «المتهورة» التي تُجري بها ماي المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. من جهته، أكد قائد حزب «الديموقراطيين الأحرار» المؤيّد لأوروبا، تيم فارون، أن الحكومة تتجه بالبلاد «نحو بريكست قاس وكارثي».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)