مع اقتراب موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، يصعّد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من خطابه الهجومي على الأوروبيين من جهة، وعلى المعارضة و«حزب العمال الكردستاني» من جهة ثانية، متنقلاً في حملاته المؤيدة لتوسيع صلاحياته، في اليومين الماضيين، بين منطقة ديار بكر في جنوب شرق تركيا والعاصمة أنقرة.
ولعب إردوغان على المشاعر الدينية لمؤيديه، بالإضافة إلى استغلاله الأزمة الأخيرة بين تركيا وبعض الدول الأوروبية، وخصوصاً ألمانيا، معتبراً أمام الحشود التي لوحت بلافتات كتب عليها كلمة «نعم» في أنقرة، أمس، أنه كشف الأوروبيين على «حقيقتهم» بأنهم «تحالف صليبي»، في إشارة إلى لقاء قادة الاتحاد، الأسبوع الماضي، في الفاتيكان مع البابا فرنسيس. ولذلك، وفق إردوغان، كانوا «يتجنبون» إدخال تركيا عضواً في الاتحاد، لكن «16 نيسان»، وهو تاريخ الاستفتاء المرتقب، سيكون «يوم الرد عليهم». وقال الرئيس التركي إن «الأوروبيين كانوا يكذبون علينا على مدى 14 عاماً».
وتابع إردوغان، مردداً آيات من القرآن، ومتوجهاً إلى الأوروبيين بالقول إنهم لا يستطيعون «خداع أمتي» بتنظيمهم حملات معارضة للتعديل الدستوري «على زوايا المقاهي». وتوجه الرئيس التركي إلى الحشود متسائلاً: «بإذن الله، هل أنتم جاهزون لإعطاء الجواب اللازم للقادة الأوروبيين؟».
ولم يغفل إردوغان عن ذكر أن خططه لتوسيع الصلاحيات الرئاسية وتعديل الدستور ليست جديدة، بل تعود إلى ما قبل عام 2014، لكنها في كلّ مرة كانت تواجه «باعتداءات» منذ عام 2013، مصنفاً تظاهرات متنزّه جيزي في 17 كانون الأول 2013 من ضمن تلك «الاعتداءات» وكذلك «خطة الانقلاب» التي حصلت في 25 كانون الأول من العام نفسه. وقال كذلك إنه كان يؤيد الانتقال بالبلاد إلى النظام الرئاسي منذ أن كان يشغل منصب رئاسة بلدية إسطنبول أواخر التسعينيات.
بعد ذلك، وجه إردوغان انتقاده لزعيم «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، كمال كيلتشدار أوغلو، واصفاً بـ«الكذب والافتراء» ما قاله كليتشدار أوغلو عن أن «العدالة والتنمية» يتهم رافضي التعديلات الدستورية بأنهم «إرهابيون».
وفي ديار بكر، حيث حط، أول من أمس، الرئيس التركي في تجمع انتخابي في إطار حملته لدعم التعديلات الدستورية، وصف نفسه بأنه «حارس السلام»، داعياً الأكراد في جنوب شرق تركيا إلى الموافقة على تعديلاته، وذلك في وقت تعيش خلاله منطقة جنوب شرق تركيا ذات الغالبية الكردية، أعنف قتال منذ ثلاثة عقود، وصل عدد ضحاياه إلى نحو ألفي شخص.
ولم ينس إردوغان مهاجمة « حزب الشعوب الديموقراطي» الذي يحظى بتأييد قوي في جنوب شرق تركيا، والذي يعتبره إردوغان امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني». وقال إنّ «هؤلاء المؤيدين لحزب العمال الكردستاني يقولون مراراً: سلام، سلام، سلام. هل يأتي الكلام الفارغ بالسلام؟ هل يمكن أن يكون هناك سلام مع من يسيرون حاملين الأسلحة؟». وتابع: «نحن حماة السلام... نحن حماة الحرية»، فيما لوح حشد مؤلف من عدة آلاف في وسط المدينة بالأعلام التركية.
وتحدث إردوغان من ديار بكر عن استعداده «للتحدث والسير جنباً إلى جنب مع الجميع ممن لديهم شيء يقولونه أو مشروع... لدينا شرط واحد: ألا يكون هناك أسلحة في أيديهم»، مذكراً في الوقت نفسه باعتقاله في عام 1999، «في زمن الانقلابات العسكرية» حين «أخذت مني رئاسة البلدية وسجنت».
وفيما توقع وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أمس، أن تحظى التعديلات الدستورية بتأييد 63 في المئة من الشعب التركي، لا يزال السباق متقارباً وفق المعنيين باستطلاعات الرأي، والذين يشيرون إلى أن الناخبين الأكراد، في ظل تمثيلهم لنحو خمس الكتلة الانتخابية، قد يرجّحون كفة جانب على آخر، من دون إغفال أن «العدالة والتنمية» يحظى بدعم قوي أيضاً في الجنوب الشرقي.
ويعارض «حزب الشعوب الديموقراطي» التعديلات الدستورية، لكن قدرته على إدارة حملات لحشد التأييد دمرت بسبب حملة أمنية أدت إلى سجن قادته ونحو 12 من نوابه والآلاف من أعضائه لاتهامهم بصلات بـ«حزب العمال الكردستاني». وتولت الدولة رئاسة بلديات بعدما أزاحت المنتمين إلى «الشعوب الديموقراطي» منها.
وكان رئيس «الشعوب الديموقراطي»، صلاح الدين دميرتاش، قد قرر قبل يومين الإضراب عن الطعام احتجاجاً على ظروف احتجازه «غير الإنسانية»، لكنه تراجع عن هذه الخطوة إثر حوار مع إدارة السجن في منطقة أدرنة. وجاء ذلك فيما كان معتقلون أكراد آخرون قد بدأوا إضرابهم في السجن نفسه في 25 شباط. لكن هؤلاء قرروا أيضاً إنهاء الإضراب بعد بدء حوار وتلقيهم «وعوداً» من الإدارة بحل المشاكل القائمة، وفق بيان صادر عن «حزب الشعوب الديموقراطي»، وقّعه «السجناء السياسيون» في أدرنة.
وإضافة إلى الإضراب في سجن أدرنة، بدأ العديد من السجناء الأكراد في الآونة الأخيرة إَضرابات عن الطعام في سجون أزمير وأنقرة وفان، احتجاجاً على ظروف احتجازهم. وبحسب «حزب الشعوب الديموقراطي»، فإنّ «نحو مئة سجين سياسي» أضربوا عن الطعام يوم الجمعة، وكانت الحالة الصحية للبعض منهم «حرجة». ولذلك دعا دميرتاش إدارة السجن ووزارة العدل إلى بدء حوار في السجون التي شهدت إضرابات عن الطعام.

(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، رويترز)