طهران | مع انتهاء عطلة «عيد النوروز» في الثالث من نيسان المقبل، يدخل الإيرانيون فعلياً بازار السباق الرئاسي. بعد هذا التاريخ، تفتح وزارة الداخلية أبوابها لاستقبال طلبات المرشحين للانتخابات الرئاسية الثانية عشرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، والتي تتزامن معها الانتخابات البلدية التي لا تقل أهمية لما لها من تأثير مباشر على الحياة والخدمات المدنية.
الأحزاب السياسية على تنوّعها في إيران، تنقسم إلى معسكرين تقليديين، الإصلاحي والمحافظ، فيما ظهر في السنوات الماضية المعتدلون الذين استطاعوا أن يشكلوا خرقاً بوصول الشيخ حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية، عام 2013. لكن هذا الأخير وصل بدعم من كلا الطرفين، أي الإصلاحيين والمحافظين، حين لم يستطِع إيجاد تكتل قادر على منافسة التيارين التقليديين، وبقي رهينة الوسطية، التي لم تعطِه استقلالية في العمل من دون الرجوع إلى الكتل السياسية، التي أسهمت في إيصاله إلى رأس السلطة التنفيذية في إيران.

بغياب رفسنجاني فُقد رجل استطاع تدوير الزوايا بحنكة سياسية

أما اليوم، فإن المشهد عشية الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 19 أيار المقبل، يختلف كثيراً عن ذاك الذي سبق انتخابات عام 2013، وخاصة أنّ الربان الذي قاد سفينة المعتدلين إلى رأس السلطة لم يعد موجوداً. وبغياب الشيخ هاشمي رفسنجاني، فقد التياران، المعتدل، والإصلاحي، وحتى بعض المحافظين، رجلاً استطاع تدوير الزوايا بحنكة سياسية مشهودة بقدرة عالية على القفز فوق الحواجز، من دون المساس بموقعه ومراعاته لقواعد اللعبة السياسية الإيرانية وتراتبيّة الحكم. رفسنجاني كان أشبه برئيس ظل للبلاد، وقد انعكس ذلك في تصريحه الشهير، بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بأنه هو من صنع أصوات الرئيس روحاني وأوصله إلى «باستور» (القصر الرئاسي في إيران). فضلاً عمّا تقدّم، كان لرفسنجاني فكر سياسي خاص به، ولا سيما وأنه كان قد تحضّر لخوض الغمار الرئاسي مديراً، وليس مرشحاً، إلا أن سكتة قلبية غيّبته عن الساحة الإيرانية، قبل أشهر على أحد أهم الاستحقاقات السياسية في البلاد.
التيار الإصلاحي ــ الذي تبنّى وصول روحاني إلى سدة الرئاسة ــ يحمل العديد من أفراده ولاءً خاصاً «للرفسنجانية»، وللإرث السياسي الذي خلّفه الراحل على الساحة الإيرانية. ولكن اليوم، بات هذا التيار منقسماً بين رأيين، ما يهدّد اتحاده العام الذي خاض بناءً عليه انتخابات عام 2013، وحتى الانتخابات البرلمانية لعام 2016، وما حقّقه من خروقات وخصوصاً في العاصمة طهران، ومضاعفة عدد مقاعده في البرلمان.
ويتمركز الجدل السياسي «لشورى سياسات الإصلاحيين» حول نقطتين؛ الأولى، تدعو إلى الوقوف خلف الرئيس روحاني، ودعمه لنيل دورة رئاسية ثانية، بشروط، فيما تُفضّل الثانية ترشيح عدد من الوجوه الإصلاحية، إضافة إلى روحاني، وذلك لضمان جبهة قوية ينسحب بعدها المرشحون لمصلحة روحاني، في محاولة لامتصاص الحملة السياسية على الرئيس من خصومه في المعسكر المحافظ. ويعني ذلك مساعدة روحاني في المناظرات التلفزيونية والدعاية الانتخابية، والمهرجانات الخطابية، وتلقّي سهام الانتقاد التي سوف يطلقها المنافسون لروحاني والتيار الإصلاحي، على أن يتم الانسحاب لمصلحته لضمان الأصوات وعدم تشتتها.
وكان رفسنجاني قد عمل وفق هذه النظرية، عندما ترشّح للانتخابات السابقة، ورُفض ترشيحه من قبل مجلس صيانة الدستور لتقدّمه في السن، وأمور أخرى. حينها، جرى الضغط على المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف، فانسحب لمصلحة روحاني، في الأيام الأخيرة، ما شكل كتلة ناخبة أوصلت روحاني من المرحلة الأولى. يرى بعض الإصلاحيين أن هذه النظرية، التي أسّس لها أكبر هاشمي رفسنجاني، تمتّعت بعنصر المفاجأة، ولكن ربما لن تستطيع تأدية هذه المهمة في الوقت الراهن، ليعود الحديث إلى النقطة الأولى الداعية إلى تبني ترشيح روحاني. ولكن عدداً لا بأس به عدّ هذا الخيار مخاطرة كبيرة نظراً إلى التقديرات التي تتحدث عن تراجع شعبية روحاني، بفعل الوضع الاقتصادي الذي لم يتحسّن بعد الاتفاق النووي، والانتقاد الشعبي لأداء الحكومة ابتداء من معدّل عمر وزرائها وكبرهم في السن، والاستياء العام من تصرّفات بعض الوزراء، إضافة إلى السياسات التي يعتبرها الشعب غير مجدية، على الصعيدين الاقتصادي والانتاجي.
مع ذلك، فإن خيار الإصلاحيين المتمحور حول دعم ترشيح روحاني، قد يكون أمراً واقعاً في النهاية، في ظل تداول معلومات عن رفض الأخير فكرة تعدّد المرشحين الإصلاحيين وانسحابهم قبيل عمليات التصويت أو الإبقاء على شخصية أخرى ربما تنتقل إلى المرحلة الثانية، وبذلك يتم استبعاد الخيار المحافظ عن المنافسة.
من جهة أخرى، فإن دعم التيار الإصلاحي لروحاني، في هذه الانتخابات، سوف يرتب عليه التزامات جديدة، بعد الانتقاد الكبير الذي وجّهته له قيادات هذا التيار، بحجة عدم منحها حصّة بقدر الأصوات التي حازها في الانتخابات. وبالتالي، سوف يكون هناك اتفاق مسبق على «الكوتا» التي سيحصل عليها الإصلاحيون في الحكومة المقبلة، في حال وصول الرئيس روحاني إلى سدة الرئاسة من جديد.
الحراك الإصلاحي يقابله حراك من قبل التيارات المحافظة، التي تحاول أن تلملم انتكاستها في الانتخابات الماضية، وتزعزعها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وقد بدأت بخطة لتقديم مرشح واحد، عبر انتقاء شخصيات بارزة وتفعيل عمل اللجنة المركزية التي تأسست من كبار الشخصيات المحافظة، تحت مسمى «الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية»، وهو تشكيل يحاول أن يجمع تحت عباءته كل الأحزاب المحافظة.