سَلَك الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطوة بارزة باتجاه التخفيف من حدّة الانتقادات التي تطاوله بشأن علاقته بروسيا، باختياره حاكم ولاية يوتاه السابق، الجمهوري جون هانتسمان (56 عاماً)، سفيراً لبلاده لدى موسكو. خيارٌ قد يكون ذا رمزية عالية، في انتظار اتضاح معالم العلاقة المستقبلية بين البلدين.
لا شك في أن التحدّي سيكون كبيراً أمام السفير الجديد، في حال تثبيته من الكونغرس، خصوصاً أن اختيار ترامب له يثير العديد من التساؤلات في واشنطن وموسكو، ربطاً بحساسية الدور الذي من المفترض أن يلعبه، في ظل توتر العلاقة الثنائية على خلفية الاتهامات لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية.
العلاقة المتقلّبة بين الرجلين، تدفع إلى القول إن وقوع الاختيار على هانتسمان هو مؤشر على أن ترامب ينوي الرد على الاتهامات التي طاولت أعضاءً من إدارته بالتعامل مع روسيا، بتعيين رجل ليس من «الموالين لروسيا»، وفق الباحثة في التاريخ الأميركي في جامعة روسيا الحكومية، فيكتوريا زورافليفا.

تبدو الوجهة غير واضحة
للدور الذي سيؤديه
هانتسمان في موسكو

وبحسب تقرير نُشر في «سالت لايك تربيون»، وهي صحيفة محلية في يوتاه يملكها بول هانتسمان ــ أخو السفير الجديد ــ فإن مهمّة جون هانتسمان «مستحيلة». نقل التقرير عن «خبراء في السياسة الخارجية» قولهم إنه عند تعيينه «سيدخل هانتسمان في مهمّة مهدّدة بأزمة محتملة عند كل منعطف، ليس فقط في ما يتعلق بالتحدي الدبلوماسي بين القوّتين العظميين، بل بما يرتبط بمقاربة ترامب للسياسة الخارجية التي كانت غير منظمة في بعض المحطات».
وبالفعل، فالرجلان لم يكونا صديقين دائماً، وقد وصل الأمر بهانتسمان إلى أن دعا ترامب إلى الخروج من السباق الرئاسي عندما أطلق ألفاظاً مسيئة للنساء، وذلك بعدما كان من أول الداعمين له من «الجمهوريين»، منذ شباط 2016. في المقابل، سبق لترامب أن وصف هانتسمان، في عام 2012، قبيل ترشّحه للرئاسة بأنه «خفيف الوزن»، وفي تصريح آخر قال إنه «رفض» مقابلته لأنه «منح بلادنا للصين»، في إشارة إلى تسلّم هانتسمان رئاسة البعثة الدبلوماسية الأميركية في الصين، لعامين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. لكن الآية انقلبت بعدما حقق ترامب فوزاً غير متوقع في الانتخابات الرئاسية، وبدأ هانتسمان عملية «استرضاء» الرئيس الجديد، وفق صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، لأنه ربما «طمح لمنصب وزارة الخارجية». وبدا ذلك واضحاً من خلال دفاعه عن اتصال ترامب بالرئيسة التايوانية، الخطوة التي لاقت حينها اعتراضات كثيرة، خصوصاً من «الجمهوريين». إلا أن هانتسمان رأى، في تصريح لـ«فوكس نيوز»، أنها تنمّ عن «دهاء»، وقد «تكون نقطة نفوذ مفيدة».
الصحيفة تابعت بتساؤلاتها، متحدثة عن الخطوات المحتملة التي اتخذها هانتسمان «في الكواليس»، لتعويم نفسه كمرشح لوزراة الخارجية، مع إشارتها إلى أن عائلته شاركت في ما وصفته بـ«عرض ساحر» لاسترضاء ترامب. ابنته ماري آن، عزفت البيانو في البيت الأبيض، أما ابنته الثانية، آبي، فقد حاورت المتحدث باسمه، شون سبايسر، في أحد برامجها الحوارية على شبكة «فوكس نيوز».
مع ذلك، تبدو حتى الآن الوجهة غير واضحة للدور الذي سيؤديه هانتسمان كسفير في موسكو. لكن ذلك لم يمنع فيكتوريا زورافليفا من محاولة فهم حركة ترامب الأخيرة تجاه بلادها، معتبرة أنه «يولي أهمية كبرى للمثلث الجيوبوليتيكي، المؤلّف من الولايات المتحدة وروسيا والصين»، وذلك بالاستناد إلى أن «هانتسمان كان سفير الولايات المتحدة في الصين، خلال عهد أوباما، فيما يرى ترامب الصين كمنافس تجاري أساسي للولايات المتحدة، وينظر إلى روسيا كقوة مقابلة لنفوذها».
ورغم أن هانتسمان «لا يعرف روسيا جيداً، لكنه يعرف الصين، وانتقاده لروسيا لن يمنعه من أن يلعب دوراً في تحسين العلاقات، خصوصاً أنه من مؤيّدي الدبلوماسية التجارية».
لكن بعض الصحف الروسية طرحت نقاط استفهام عن دور هانتسمان، ومنها «كومرسانت دايلي» التي بحثت عن ارتباطات عائلته بموسكو، حيث تملك أعمالاً تجارية. الصحيفة رأت أن المرشح لتسلّم أهم مركز دبلوماسي أميركي مُشكِّك بتجديد العلاقة بين البلدين، وذلك من منطلق انتقاده لمقاربة أوباما التجديدية للعلاقة مع روسيا، في خلال حملته الانتخابية في عام 2012، مضيفة في الوقت عينه أن قدرته على إحداث تغييرات في العلاقات الأميركية ــ الروسية ستكون ضعيفة.
وعبّر السيناتور الروسي ألكسي بشكوف عن موقف مماثل، بقوله إن الاختيار الأميركي للسفير لدى روسيا «يبيّن الكثير»، خصوصاً أن هانتسمان يترأس مركز دراسات «المجلس الأطلسي»، حيث «انتقاد روسيا أمر عادي... من الواضح أنه ليس حمامة سلام». وركز بشكوف، أيضاً، على فكرة أن المناخ الحالي الذي يحيط بترامب يدفع إلى تعيين من «يمانعون» تحسين العلاقات مع روسيا، والتعاون معها في محاربة «داعش»، وهو ما قد يضر بمحاولات إيجاد «نقاط مشتركة».
وفضّل الأكاديمي الروسي المتخصص بالدراسات الأميركية أريغ غالستان، التحدث عن الخلفية الدينية لهانتسمان الذي ينتمي إلى طائفة «المورمون»، مشيراً إلى أن من ينتمون إلى تلك الطائفة يتمتّعون ببراغماتية ومرونة في التعامل، وهو ما قد يكون «مؤشراً جيداً لروسيا» التي توجد فيها سبع إرساليات مورمونية.