قبل نحو شهرين من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، بدأت البلبلة تحيط بمعسكر اليمين، مع بروز اسم آلان جوبيه بديلاً من المرشح الحالي، فرنسوا فيون، الذي يواجه متاعب قضائية جراء فضيحة وظائف وهمية ترتبط بعائلته. وتحوّل فيون بفترة قصيرة جداً من المرشح المفضل لليمين، وعلى رأس استطلاعات الرأي، ليجد نفسه الآن معزولاً من داخل معسكره، وثالثاً في استطلاعات الرأي بعد مرشحة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن ووزير الاقتصاد السابق، إيمانويل ماكرون.
وتحدث أحد مساعدي فيون لمجلة «بوليتيكو»، دون أن يذكر اسمه، قائلاً إنَّ المرشح قد يعلن انسحابه غداً، عقب تجمّع لمناصريه في باريس، خاصة إن لم يكن هذا التجمع على قدر التوقعات. من جهة ثانية، فإنَّ آلان جوبيه الذي استُبعد من الدورة الثانية في الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي، «لن يتوانى (عن الترشح) إذا كانت الظروف متوافرة، أي أن يعلن فرنسوا فيون انسحابه وأن تلتف أوساط اليمين والوسط وحزب الجمهوريين، حوله»، وفق مصدر مقرب منه. وأكد المصدر أنَّ «آلان جوبيه ليس انقلابياً، ولن يدفع أبداً فيون إلى الخارج، ولن يقوم بأي مبادرة تنطوي على مؤامرة». وكان جوبيه قد نفى حتى الآن استعداده للعودة إلى السباق الرئاسي، إلا أنَّ هذا السيناريو قد يتجه فعلياً نحو التطبيق. وقال مساعد فيون لـ«بوليتيكو» إنَّ «فيون يستطيع مقارعة القضاة، لكنه لن يتمكن من محاربة حزبه لوقت طويل».
وبالرغم من تلقيه استدعاءً للمثول أمام القضاء في 15 آذار، أصرَّ فيون على أنَّه لن ينسحب من الانتخابات الرئاسية في مؤتمر صحافي الخميس الماضي. لكن الضغط القضائي تصاعد عليه مع تفتيش منزله الباريسي يوم الخميس في إطار التحقيق في أمر الرواتب التي تلقتها زوجته وابنه وابنته بصفة مساعدين برلمانيين. ورأت صحيفة «لوموند» الفرنسية في تقرير، أنَّ فيون الذي تربع على عرش النصر الكبير الذي حققه في انتخابات اليمين والذي يجد نفسه الآن معزولاً، يضع اليمين أمام احتمالين «قاتمين»: «أن يُبقي اليمين على مرشح ضعيف... أو أن يستبدله رغماً عنه... وهو سيناريو خطير يهدد بانفجار اليمين».
ومنذ إعلانه مثوله أمام القضاء، يواجه فرنسوا فيون انفضاض أعضاء من فريق حملته عنه وسط تزايد الدعوات إلى انسحابه من السباق. وأعلن الناطق باسمه، تييري سولير، الذي كان يُعَدّ من أقرب المقربين من المرشح المحافظ، استقالته صباح أمس. وكتب على تويتر: «لقد قررت أن أضع حداً لمهماتي كناطق باسم فرنسوا فيون»، لينضم بذلك إلى لائحة طويلة ممن تخلوا منذ الأربعاء عن رئيس الوزراء الأسبق.
وفي السياق، رأى رئيس الوزراء الأسبق، دومينيك دو فيلبان، أمس، أن فيون «لم يعد بإمكانه أن يكون مرشحاً، لأنه لم يعد قادراً على خوض حملة في العمق للدفاع عن أفكار أو نموذج جمهوري وديموقراطي». وواجه فيون انتقادات مماثلة في صفوف اليمين والوسط منذ إعلانه استدعاء القضاء له قريباً، تمهيداً لتوجيه التهم إليه.
وسحبت عدة شخصيات يمينية ووسطية دعمها لفيون في اليومين الماضيين، منددة «بأجواء مسيئة» إلى الحملة أو «انفراط العقد الأخلاقي» بعدما وعد بسلوك نموذجي على كل الصعد.

دو فيلبان: لم يعد بإمكان فيون أن يكون مرشحاً
وأحصت صحيفة «ليبراسيون» نحو ستين شخصية صباح أمس، تخلت عن فيون. ومن ضمن هؤلاء، مدير حملة فيون في الانتخابات التمهيدية وأمين صندوق حملته للانتخابات الرئاسية، غيل بوايي، بالإضافة إلى بعض من «الأوفياء» لآلان جوبيه، مثل فنسان لورو. أما أبرزهم، فهو برونو لو مير الذي أعلن الأربعاء انسحابه من حملة فيون، مشيراً إلى أنَّ على فيون أن يحافظ على وعوده السابقة بمغادرة السباق الرئاسي في حال مثوله أمام القضاء.
كذلك، أعلن رئيس «تجمع الديموقراطيين والمستقلين» (يمين وسط)، جان ــ كريستوف لاغارد، تعليق دعمه لحملة فيون الرئاسية، أول من أمس، مؤكداً أنَّ اللجنة التنفيذية للحزب ستجتمع الأسبوع المقبل لاتخاذ قرار جماعي.
وحتى الآن، حافظ آلان جوبيه على موقف متحفظ، لكن الوقت يضيق للتوصل إلى حل بديل لفيون، إذ يفترض جمع تواقيع أعضاء المجالس المحلية ليصبح الترشيح رسمياً قبل 17 آذار. وبدعوة من النائب جورج فينش، بدأ بعض ممثلي المجالس البلدية بمنح تأييدهم لجوبيه.
وكان الباحث والأكاديمي الفرنسي بيار روزنفالون، قد قال في حوار أول من أمس، إنه «إلى جانب الحدث القضائي، تشير تصريحات فرنسوا فيون إلى تحوّل شعبوي في حملة الانتخابات الرئاسية. فبفارق ثلاثة أيام، استخدم مرشح اليمين التقليدي، حجج مارين لوبن نفسها، التي انتقدت بشدّة (حكومة القضاة) أو دور وسائل الإعلام المؤذي»، موضحاً أنّ «فيون رأى أنّ القاضي الوحيد هو الشعب... الاستماع إلى تصريحات هي بهذا القدر من العدوانية تجاه القضاء والصحافة من قبل مرشح مركزي، فهذا أمر غبر مسبوق في فرنسا، لأنها من مؤشرات النظرة الشعبوية إلى الديموقراطية. (ولعلّ) ما يؤسف عليه، أنّ أصدقاء فيون السياسيين لم ينتقدوه في العمق، إذ إنهم يلومونه (فقط) على عدم التزام تعهده بالانسحاب إذا ما وُجّه اتهام إليه».

(الأخبار، أ ف ب)