باريس | شهدت معركة ليّ الأذرع بين القضاة وبعض المرشحين لانتخابات الرئاسة الفرنسية تصعيداً جديداً، أمس، على إثر موافقة البرلمان الأوروبي على طلب تقدم به القضاء الفرنسي لرفع الحصانة البرلمانية عن زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبن. وكانت لوبن قد تحجّجت، في مطلع الأسبوع الماضي، بحصانتها كنائبة برلمانية أوروبية لرفض المثول أمام الشرطة القضائية، لاستجوابها في عدد من قضايا الفساد التي تلاحق بعض قيادات حزبها.
كذلك فإنها رفضت التجاوب مع المحققين في قضية أخرى تعنيها شخصياً، وتتعلّق بدعوى رُفعت ضدها بتهمة الترويج للعنف ونشر صور مهينة للكرامة الإنسانية عبر حسابها على موقع «تويتر».
البرلمان الأوروبي لم ينظر سوى في القضية المتعلقة بتلك الصور التي نشرتها لوبن على «تويتر»، وتتعلق بإعدامات نفذها تنظيم «داعش»، منها صورة لجثة الرهينة الأميركي جيمس فولي الذي قُطع رأسه، وأخرى للطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي أُحرق حيّاً من قبل التنظيم المتطرف. ويعاقب قانون مكافحة الاٍرهاب الفرنسي كل من ينشر صوراً من هذا النوع، أو يروّج لها، بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدرها 75 ألف يورو.
لوبن قالت إن الدعوى المرفوعة ضدها مسيّسة. ولفتت إلى أنها لم تنشر تلك الصور لتمجيد «داعش» أو للترويج للإرهاب، بل للتنديد بتلك الممارسات الدموية. وكانت قد استُدعيت من قبل القضاء للاستماع إلى أقوالها في هذه القضية، خلال شهر نيسان من العام الماضي. إلا أنها رفضت المثول أمام المحققين، بحجة الحصانة البرلمانية، ما دفع القضاء إلى التوجه بطلب إلى البرلمان الأوروبي لرفع الحصانة عنها، وهو إجراء قانوني وإداري شائك استغرق أشهراً طويلة.

قالت لوبن إنها لم
تنشر الصور لتمجيد «داعش» أو للترويج للإرهاب

وشاءت المصادفات أن تأتي موافقة البرلمان الأوروبي على رفع الحصانة عن لوبن في الوقت الذي تتزايد فيه الملاحقات القضائية ضد حزبها بتهم الفساد واختلاس المال العام، ما سيسهل استجواب زعيمة «الجبهة الوطنية» أو متابعتها قضائياً. ويأتي قرار البرلمان الأوروبي، أيضاً، في توقيت حرج يتزامن مع صدور كتاب مدوٍّ للصحافي لوران فارغيس، بعنوان «محاكمة مارين لوبن الممنوعة»، ويتضمّن معلومات غير مسبوقة عن «منظومة فساد ضخمة»، كانت تُدار سراً من قبل قيادة «الجبهة الوطنية»، سواء في عهد لوبن الأب أو ابنته من بعده. ويروي الكتاب تفاصيل غير معروفة عن الفساد المالي للحزب، بالاستناد إلى شهادات من الداخل لشخصيات بارزة من قيادات «الجبهة الوطنية» سابقاً. وفي مقدمة هؤلاء، المستشار السابق لمارين لوبن، غاييل نوفري. كذلك، يتضمّن الكتاب وثائق ومعلومات سرية مستقاة من تحقيقات أجراها، على مدى أشهر، اثنان من قضاة التحقيق المتخصّصين في مكافحة الفساد، في شعبة القضايا المالية التابعة لمحكمة باريس.
ويُرتقب ألا يفوّت المحققون الجدل الذي أثارته المعلومات والوقائع التي كشفها هذا الكتاب، لتضييق الخناق قضائياً على مارين لوبن، على خلفية هجماتها المتكررة على القضاة، واتهامهم بتلفيق تهم سياسية لها ولحزبها. وكانت لوبن قد ألَّبت ضدها نقابات القضاة، إثر توعّدها بالقصاص من «العناصر غير الوطنيين» في سلك العدالة والشرطة القضائية، في حال فوزها بالرئاسة.
وانتقد عدد من قادة «الجبهة الوطنية»، بشدة، موافقة البرلمان الأوروبي على رفع الحصانة عن لوبن. ووصف الرجل الثاني في الحزب اللوبني قرار البرلمان الأوروبي بـ»المسخرة»، فيما قال أحد نواب الحزب، السيناتور المتشدّد ديفيد راشلين، إن النواب الأوروبيين تصرفوا في هذه القضية كالمغلوب عليهم، وإنهم «نفذوا الأوامر التي أُعطيت لهم، من دون أي وازع أو نقاش».
اتهامات ردّت عليها المصالح الإدارية للبرلمان الأوروبي، موضحة أنها نظرت، خلال العام الأخير، في 15 قضية مماثلة تتعلق برفع الحصانة، وأن بتّ كل قضية منها استغرق ما بين 4 إلى 8 أشهر. وبخصوص قضية لوبن، قالت المصالح الإدارية للبرلمان الأوروبي إنها تلقّت طلب رفع الحصانة عنها في شهر تشرين الأول 2016، ونظرت في الأمر وفقاً للآليات المعتادة، ما استغرق أكثر من خمسة أشهر. بالتالي، رأت أنه «لم يكن هناك أيّ إجراء استثنائي، ولا صلة للقضية بأجندة انتخابات الرئاسة الفرنسية».