خلال إحدى الرحلات التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خارج واشنطن، الأسبوع الماضي، عرض نموذجاً جديداً من التناقضات التي باتت صفة راسخة ترافق التفاصيل اليومية لإدارته. في فلوريدا ــ الولاية التي خالفت التوقعات واستطلاعات الرأي ومنحته أصواتها في الانتخابات الرئاسية ــ شعر الرئيس الحديث العهد بالغبطة... أوجد مشكلة... ثمّ قدّم حلاً لغيرها.
هناك، صدح صوته مجدداً، ودغدغت مشاعره الحماسة التي أحسّ بها، أثناء مشاركته في التجمعات الانتخابية. وعلى وقع أصوات هتافات أنصاره المبتهجين بوجوده بينهم، ألقى خطابه. ثمّ رمى العبارة إياها، التي أوحت بهجوم إرهابي ــ لم يحدث ــ في السويد، لتكون كفيلة بأن تفتح في وجهه الأبواق الإعلامية، وتلقي عليه الردود الساخرة عبر ألسنة سياسيين سويديين.
ولكن في فلوريدا، أيضاً، أنهى ترامب صولة من الخطوات الناقصة التي كان قد قام بها، منذ بداية إدارته الوليدة، فختم الزيارة بالإعلان عن مستشاره الجديد للأمن القومي، ليعود بعدها إلى واشنطن، على أمل إيجاد حلول لمشاكل أخرى، لا تزال عالقة في أروقة البيت الأبيض، والكابيتول.

يتوسع أو يتقلص
دور مستشار الأمن القومي
بين رئيس وآخر

على المستوى السياسي والأمن القومي، يمكن أن تكون محطة فلوريدا بداية الطريق لإنقاذ ترامب. فقد وضع اختياره لهربرت ريموند ماكماستر لمنصب مستشار الأمن القومي حداً لانتقادات عدّة، لا سيما أنه لاقى ترحيباً من مختلف الأطراف السياسية ضمن كلا الحزبين، الجمهوري والديموقراطي. ولكن تعيينه الذي سدّ الفراغ الذي تركه سلفه مايكل فلين، بعد استقالته، لم ينهِ التساؤلات التي خلّفتها مسألة تواصل هذا الأخير مع مسؤولين روس، والتي يدفع قياديّو الكونغرس للإجابة عنها، بممارسة ضغوط تهدف إلى إجراء تحقيق موسّع، يشمل التطرّق إلى إمكانية تورّط ترامب في المسألة.

مشاكل مجلس الأمن القومي

في غضون ذلك، لا يزال مجلس الأمن القومي يعاني من مشاكل أخرى، بعضها خلقها ترامب، وغيرها أوجدتها هيكلية هذا المجلس الهلامية. بعد أيام قليلة على دخوله البيت الأبيض، أصدر ترامب قرارات «مُقلقة» تتعلق باللجنة الأساسية لمجلس الأمن القومي. وتضمنت مذكرة إلغاء العضوية الدائمة لمدير الاستخبارات الوطنية ورئيس هيئة الأركان المشتركة في اللجنة الأساسية، وحصر «إمكانية» حضورهما اجتماعاتها «فقط عند مناقشة مسائل تتعلق بمسؤولياتهما وخبراتهما». في مقابل ذلك، أعطى ترامب كبير استراتيجييه، ستيفن بانون، مقعداً دائماً في اجتماعات اللجنة، الأمر الذي وُصف بـ»السابقة»، وأثار موجة انتقادات واستهجان.
انتقد قدامى الإدارات الأميركية وأعضاء في الكونغرس من كلا الحزبين هذه القرارات، وعدّوا تعيين بانون «مخاطرة بإدخال السياسة في الأمن القومي». وراح البعض يعطي أمثلة على الرؤساء السابقين، فأشاروا إلى أن كبير مستشاري الرئيس جورج بوش، كارل روف، بقي خارج الاجتماعات الحساسة المتعلّقة بالأمن القومي. وذكر البعض الآخر أنه أجيز لمستشار الرئيس باراك أوباما، ديفيد إكسيلرود، حضور بعض الاجتماعات، ولكنه لم يحصل على صفة رسمية في إطار هيكلية المجلس. أما ترامب، فقد واجه كل الانتقادات، بالإشارة إلى أن فلين لم يوضح له أهمية التغييرات التي قام بها، أو كيف يمكن أن يُنظر إليها، وذلك وفقاً لما نقلته «نيويورك تايمز» عن مسؤولين كبار.
لا تنتهي المشاكل هنا، فقد قامت إدارة ترامب بطرد أحد المساعدين الكبار في مجلس الأمن القومي، لانتقاده الرئيس وكبير الاستراتيجيين، خلال مشاركته في إحدى المناسبات التي استضافها مركز «وودورد ويلسون»، الأسبوع الماضي. وفي الفترة ذاتها، قدّم محلّل المعلومات في وكالة الاستخبارات المركزية، والمتحدث باسم مجلس الأمن القومي إدوارد برايس، استقالته بسبب اعتراضه على تصرّفات ترامب.
ولكن بنظرة خاطفة إلى تاريخ مجلس الأمن القومي، يمكن الإشارة إلى أن طريقة ترامب في إدارته ليست نادرة أو استثنائية. فقد عرف هذا المجلس تعديلات هيكلية متكرّرة، عكست النمط الرئاسي، والمتطلّبات والمتغيرات، وأيضاً العلاقات الشخصية للرؤساء. بحسب ما يُروّج له، أُنشئ المجلس في عهد الرئيس هاري ترومان عام 1947، بسبب شعور صنّاع القرار السياسي بأن الدبلوماسية ووزارة الخارجية لم تعد كافية لاحتواء الاتحاد السوفياتي. وفي لمحة سريعة على مساراته، منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، يمكن الإشارة إلى أن كل رئيس سعى إلى إقامة نظام تنسيق، وخلق سياسات تعكس أسلوب إدارته الخاص. ففي الأساس، كان الهدف من مجلس الأمن القومي أن يكون مركز تنسيق للسياسة الخارجية، ولكنه تغيّر وتبدّل لكي يتوافق مع حاجات كل رئيس وميوله، فيما اعتمد تنظيم هيكليته، بدرجة ليست قليلة، على الكيمياء الشخصية بين الرئيس ومستشاريه الأساسيين ومسؤولي الوزارات، وبالتالي انعكس في توسيع أو تقليص دور مستشار الأمن القومي. خلال عهد الرئيس هاري ترومان، كان مجلس الأمن القومي مسيطراً عليه من قبل وزارة الخارجية، ثمّ أدى ميل الرئيس دوايت إيزنهاور إلى الاتجاه العسكري، إلى تطوير مجلسه، بما يتناسب مع ذلك. أما الرئيس جون كينيدي، فقد عمد إلى تفكيك آلية عمل مجلس الأمن القومي، التي وضعها إيزنهاور، وسمح لمساعده الخاص لشؤون الأمن القومي وموظفيه بتولي دور التنسيق الرئيسي، ثم جاءت إدارتا الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرارلد فورد، ومن ضمنهما تركّز عمل هنري كيسنجر على الحصول على المعلومات التحليلية من مختلف الدوائر، والتي يمكن أن تسمح لمستشار الأمن القومي بأن يقدّم للرئيس أفضل تشكيلة ممكنة من الخيارات قبل بتّ أي قرار، وانتهى الأمر بكيسنجر إلى صنع السياسة وتطبيقها.
تحت إدارة كارتر، أصبح مجلس الأمن القومي المصدر الرئيسي للأفكار المتعلقة بالسياسات الخارجية. أما في عهد رونالد ريغان، فقد خُفّض مستوى مستشار الأمن القومي، وعمِل رئيس الموظفين كمنسّق في البيت الأبيض. الرئيس جورج بوش الأب أعاد تنظيم اللجان ضمن مجلس الأمن القومي. وفي عهده، استعاد المجلس دوره الفعال، في ظل تطورات كبرى تمثلت في انهيار الاتحاد السوفياتي، وتوحيد ألمانيا، ونشر القوات الأميركية في العراق وباناما. ثم وسعت إدارة بيل كلينتون عضوية مجلس الأمن القومي لتنضم إليها وزارة الخزانة، ومندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ومساعد الرئيس للسياسة الاقتصادية، وأيضاً كبير موظفي البيت الأبيض. وجاء عهد جورج بوش الابن ليعطي مجلس الأمن القومي الدور الأساسي في وضع أسس الحرب على العراق.

يدرس ماكماستر
إعادة تنظيم فريق السياسة الخارجية لترامب

خلال عهد أوباما، تعرّض مجلس الأمن القومي لانتقادات عدة، من بينها أن أعضاءه أجروا محادثات سرية مع كوبا، من دون إطلاع وزير الخارجية جون كيري على الموضوع، إلى أن باتت المفاوضات في مراحل متقدمة. أيضاً في ذلك الوقت، رأى البعض أن مجلس الأمن القومي كان يستحوذ على مسائل يجب أن تُدار في أماكن أخرى ضمن الحكومة. واشتكى عدد كبير من العاملين في الدوائر الحكومية والوكالات الفدرالية من أن خبراتهم لم تؤخذ في عين الاعتبار، وأنهم عرضة لنزوات موظفي المجلس، الذين وُصفوا بالـ«أقل اطلاعاً» منهم.

الحل في ماكماستر؟

يرى البعض أن اختيار ترامب لهربرت ريموند ماكماستر، مستشاراً للأمن القومي، سينعكس في خلافات بين الرجلين، في ظل التناقضات الكثيرة في وجهات نظريهما. ولكن بالالتفات إلى السيرة الذاتية التي يتمتع بها ماكماستر، فهو قد يكون الخيار الأنسب لترامب، من أجل تلطيف آثار وتداعيات قراراته السابقة، وإبعاد الشبهات عنه بشأن تعامله المحتمل مع الروس.
ماكماستر ضابط وخبير استراتيجي عسكري، يحمل شهادة دكتوراه في التاريخ العسكري من جامعة نورث كارولاينا عن بحث أجراه عن حرب فيتنام، ونشر في كتاب بعنوان «التقصير في أداء الواجب»، في عام 1997. يحلّل الكتاب سياسات الرئيس ليندن جونسون ووزير دفاعه روبرت ماكنامارا و»الأكاذيب التي قادت إلى حرب فيتنام»، وفق عنوانه الفرعي. ومن ضمنه، كتب ماكماستر عن رئيس «يتمتع بانعدام الأمان والثقة بأحد، إلا بمستشاريه المدنيين المقرّبين». ويشير إلى أنه عندما واجه جونسون واجب اتخاذ قرار بشأن فيتنام، «قام بذلك من دون الاستفادة من مشورة عسكرية فعّالة».
شارك ماكماستر في حرب الخليج عام 1991. وعاد مرة أخرى إلى العراق عام 2004. وتمّ اختياره عام 2010 ليكون نائباً لقائد التخطيط في قوة المساعدة الأمنية الدولية في كابول في أفغانستان. أطلق عليه الجنرال المتقاعد ديف بارنو، الذي قاد «قوات الحلفاء» في أفغانستان بين عامي 2003 و2005، لقب «مهندس مستقبل الجيش الأميركي». وفي نيسان 2014، صنّفته مجلة «تايم» كواحد من الشخصيات المئة الأكثر تأثيراً في العالم. وفق كريغ جاف وجوشوا بارتلو في «واشنطن بوست»، يوصف ماكماستر بـ»الجندي الذي يمكنه أن يقول لا سيدي». وبحسب موقع «بيزنيس إنسايدر»، يحظى بسمعة «محارب ــ عالِم».
خلال مسيرته، رسّخ ماكماستر صورته على أنه «صقر ضد تقوية نفوذ روسيا الجيوسياسي». وأثناء عمله كمدير لمركز «تكامل قدرات الجيش»، سعى إلى وضع تصوّر لهيكلية الجيش في عام 2025 وما بعده. وفي خطاب ألقاه، عام 2016، أمام معهد فرجينيا العسكري، شدّد على حاجة الولايات المتحدة إلى «رؤية استراتيجية» في قتالها ضد «القوى الرجعية المعادية، التي تعمل على ضمّ مناطق، وتخوّف حلفاءنا، وتطوّر أسلحة نووية»، في إشارة إلى روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران. هو يرى أن التهديد الأمني الذي تواجهه بلاده يأتي من الدول القوية التي تسعى إلى انهيار النظام الاقتصادي والأمني، القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويرى أن عمليات مشتركة بين قوى متعددة الجنسيات هي الرد المناسب على «المغالطات» التي تتحدث عن أن الولايات المتحدة يمكنها أن تنسحب من مشاكل العالم. بل إنه يصف تشجيع بلاده على هذا الاتجاه بالخيار «المتعجرف والنرجسي»، وينتقد الانعزالية، عموماً. وعلى عكس ترامب، يشعر بالقلق من الوعود بالانتصارات السريعة والواعدة.
فضلاً عن ذلك، ينطلق ماكماستر من فكرة أن القوى العسكرية يمكنها أن تبقي أميركا آمنة، فقط إذا كانت متكاملة بشكل جيد مع «كل عناصر القوة القومية والدولية»، في إشارة خاصة إلى أهمية التحالفات. واستناداً إلى فكرة أن «روسيا تحاول تثبيت هيمنتها»، يثمّن مشاركة واشنطن في «حلف شمال الأطلسي». وكما بالنسبة إلى روسيا، لا يقف ماكماستر على الخط نفسه ووفق الرؤى المتشددة ذاتها التي كان يملكها مايكل فلين، تجاه المسلمين.
أمس، أفاد بيتر بايكر في «نيويورك تايمز» بأن رجل الإدارة الأميركية الجديد يدرس إعادة تنظيم فريق السياسة الخارجية في البيت الأبيض، بما قد يمنحه السيطرة على الأمن الداخلي أيضاً ويضمن الوصول الكامل إلى الوكالات العسكرية والاستخبارية. كذلك يسعى إلى إحداث تغييرات جديدة في الهيكل التنظيمي لمجلس الأمن القومي. ومن المقترحات التي تخضع للنقاش، استعادة مدير الاستخبارات الوطنية ورئيس هيئة الأركان المشتركة للعضوية الكاملة في لجنة مجلس الأمن القومي. أما التغيير الآخر المحتمل، فيمكن أن يتضمن دمج مجلس الأمن الداخلي داخل مجلس الأمن القومي، كما كان خلال عهد أوباما.
يبقى من غير المؤكد ماذا سيحصل لستيفن بانون، ذلك أن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر أشار إلى أن ماكماستر سيتمتع بكامل الصلاحية لتحديد مهمات موظفيه، ولكنه أضاف أن أيّ تغيير في موقع بانون يجب أن يوافق عليه الرئيس.




ترامب: أريد تعزيز ترسانتنا النووية

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، أنه يريد تعزيز الترسانة النووية الأميركية بما يضمن أن تكون "الأكثر تفوّقاً"، معتبراً أن قدرات الولايات المتحدة في الأسلحة الذرية تراجعت.
وفي مقابلة مع "رويترز"، اشتكى ترامب أيضاً من "قيام روسيا بنشر صاروخ كروز"، في انتهاك لمعاهدة الحد من التسلح، وقال إنه سيثير هذه المسألة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا اجتمع معه.
وعلى صعيد آخر، قال ترامب إن الصين يمكنها أن تزيل التحدي الذي تشكله كوريا الشمالية على الأمن القومي "بسهولة جداً إذا أرادوا ذلك"، مصعّداً بذلك الضغوط على بكين.
ومتحدثاً في المكتب البيضاوي، أعلن ترامب أيضاً أنه "غاضب جداً" من تجارب الصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية، وقال إن تسريع نظام للدفاع الصاروخي لليابان وكوريا الجنوبية، حليفي الولايات المتحدة، هو أحد خيارات كثيرة متاحة.
(الأخبار)