شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً في حدّة التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا، بلغ ذروته، أمس، بتحذير الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، نظيره الأميركي، دونالد ترامب، من أن بلاده سترد بحزم على أي عدوان أميركي قد يستهدفها. ويأتي ذلك بعد يومين من فرض واشنطن عقوبات على نائب مادورو، طارق العيسمي، بتهمة الاتجار بالمخدرات، وبعد ساعات من إيقاف الحكومة الفنزويلية بث شبكة «سي ان ان» الناطقة بالإسبانية على أراضيها، متهمة الشبكة الإخبارية ببث «دعاية حربية».
وفي خطاب عام ألقاه أول من أمس، أعلن مادورو أنه «إذا حاولت الولايات المتحدة أن تعتدي علينا فنحن لن نقف مكتوفي الأيدي. فنزويلا سترد بحزم... من يطرق بابنا سيلقى الرد المناسب». وعلى الرغم من تشديده على عدم رغبته بحدوث «أي مشاكل مع إدارة ترامب»، فإنّ الرئيس الفنزويلي شدّد على أهمية «الاحترام المتبادل» كمبدأ أساسي في العلاقات الثنائية.
وكان ترامب قد دعا الحكومة الفنزويلية، الاربعاء، إلى الإفراج «الفوري» عن مؤسس حزب «الارادة الشعبية» المعارض، ليوبولدو لوبيز، المسجون منذ قرابة ثلاثة أعوام. وكتب الرئيس الأميركي الجديد في تغريدة على «تويتر»، إثر لقائه بزوجة لوبيز في البيت الأبيض، أنه «يجب على فنزويلا أن تسمح لليوبولدو لوبيز، السجين السياسي وزوج ليليان تينتوري التي التقيها لتوي مع ماركو روبيو، بالخروج من السجن فوراً». وأرفق ترامب تغريدته بصورة تظهره رافعاً إبهامه وبجانبه ليليان تينتوري، التي بدورها شكرت ترامب على «الوقوف مع الشعب الفنزويلي وتطلعاتنا لاستعادة الديموقراطية في بلادنا».
وفي سياق متصل، أعلن القاصد الرسولي في كراكاس ألدو جيوردانو، الثلاثاء، أن البابا فرنسيس مستعد لأن يلتقي في الفاتيكان ممثلين عن الحكومة الفنزويلية والقوى المعارضة لها إذا ما كان هذا اللقاء يساعد في حل الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد. وقال جيوردانو للصحافيين، اثر اجتماعه بنواب من المعارضة الفنزويلية، إن «البابا مستعد للقاء الأطراف المتنازعة في حال قررت الحوار»، مشيراً إلى أن «هذه ليست دعوة رسمية إلى الفاتيكان، بل تعبير عن استعداد البابا» للعب دور في الحوار. وكان مادورو قد أعلن في وقت سابق أن هناك «تحضيرات جارية» لعقد اجتماع في الفاتيكان بين حكومته والمعارضة، وذلك بهدف استئناف المفاوضات المجمدة بين الطرفين منذ كانون الأول.

عقوبات العسيمي

في إشارة إلى العقوبات التي فرضتها واشنطن على العيسمي، الذي يشغل منصب نائب الرئيس منذ الرابع من كانون الثاني، جدّد مادورو في خطابه إيمانه بأن «الامبريالية تهدد فنزويلا».
فالاثنين الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية، اسم السياسي السوري الأصل، الذي تصفه الصحافة كـ«أحد صقور الحزب الاشتراكي الموحد» الحاكم منذ 1999، بالإضافة إلى اسم حليفه رجل الأعمال، سامارك خوسيه لوبيز بيللو، على قائمتها لمهربي المخدرات، وفرضت عليهما عقوبات اقتصادية. وزعمت الوزارة أن العيسمي «تلقى أموالاً مقابل تسهيل عمليات نقل مخدرات تعود ملكيتها لشبكة الفنزويلي وليد مقلد غارسيا، إلى فنزويلا»، متهمة إياه «بالاشراف على إقلاع طائرات من قاعدة جوية فنزويلية وكذلك على عدد من الموانئ البحرية لضمان نقل الشحنات».
وعلاوة على ذلك، فرضت الوزارة عقوبات على 13 شركة يملكها لوبيز بيلو، الذي وفق «رويترز» وصفه مسؤولون أميركيون بأنه «رجل واجهة رئيسي يستخدمه العيسمي لغسل إيرادات المخدرات وشراء أصول».
وفي أول تصريح له حول الاتهامات، طالب مادورو، الثلاثاء، الولايات المتحدة بتقديم اعتذار علني إلى العسيمي، الذي بدوره وصف القرار بـ«الهجوم البائس والخسيس»، وقال إنه «اعتراف بدوري كثوري مناهض للامبريالية». وقال العيسمي، الذي دخل المعترك السياسي من بوابة الحركات الطلابية ثمّ أصبح محامياً وخبيراً في العلوم، «دعونا لا نسمح لهذه الاستفزازات الخسيسة بإلهائنا. مهمتنا الأساسية هي مساعدة نيكولاس مادورو في إنعاش الاقتصاد الفنزويلي... وضمان الأمان والسعادة الاجتماعية»، مضيفاً «فليحيا (هوغو) تشافيز»، في إشارة إلى الرئيس السابق الذي أطلق الثورة الاشتراكية في فنزويلا عام 1999.
من جهتها، اتخذت الحكومة الفنزويلية سلسلة من التدابير ردّاً على القرار، كان أولها تسليم وزيرة الخارجية الفنزويلية ديلسي رودريغيز، رسالتَي احتجاج للقائم بالأعمال الأميركي في كراكاس، لي ماكليني، الثلاثاء. وأعلنت رودريغيز، خلال مؤتمر صحافي، أن إحدى الرسالتين تؤكد رفض بلادها لـ«الإجراءات الأحادية والمتجاوزة للحدود»، فيما تطالب الأخرى السفارة الأميركية بـ«احترام» السلطات الفنزويلية. وقالت رودريغيز إن السفارة الأميركية «أشبه بآلة حرب أكثر من كونها بعثة دبلوماسية»، مؤكدة أن السفارة «اتخذت عددا كبيرا من الإجراءات التي تتدخل بالشؤون الداخلية للبلاد، كما دعمت بشكل مباشر جهات تحرّض على العنف في فنزويلا».
من جهة أخرى، أعلن الجيش الفنزويلي، الذي يلعب دوراً أساسياً في الحياة السياسية في البلاد، عن دعمه للعسيمي.

«سي ان ان»

وأول من أمس، أصدرت اللجنة الوطنية الفنزويلية للاتصالات قراراً يقضي بـ«وقف بث قناة سي أن أن الناطقة بالإسبانية في البلاد»، واصفة القرار بأنه «خطوة وقائية» ضد الوسيلة الاعلامية التي اتهمتها بـ«القذف والتشويه وانتهاك قواعد حرية التعبير».
وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان وزيرة الخارجية الفنزويلية، ديلسي رودريغيز، أنه سيتم اتخاذ تدابير بحق الشبكة التي «تمارس عملية إعلامية إمبريالية» ضد بلادها، و«تشن دعاية حربية، استناداً إلى معلومات خاطئة». وكان الرئيس الفنزويلي قد شنّ هجوماً على «سي ان ان» خلال حديثه الاسبوعي الأحد الماضي، وقال إنه يرغب في أن «تخرج» الشبكة من بلاده.
ووفق «سي ان ان»، فإن قرار وقف البث يتعلّق بتحقيق صحافي «استغرق عاماً كاملاً» نشرته في السادس من شباط، زعمت فيه الكشف عن «مخالفات خطيرة في إصدار جوازات السفر والتأشيرات الفنزويلية»، مشيرة إلى أن التحقيق «راجع الآلاف من الوثائق (ويتضمن) إجراء مقابلات في الولايات المتحدة وإسبانيا وفنزويلا وبريطانيا، إلى جانب تعقب مختلف المسؤولين من فنزويلا». وادّعت الشبكة، التي تتعرض بدورها إلى موجة من الانتقادات الواسعة من قبل ترامب، أن «إحدى الوثائق الاستخباراتية السرية» التي حصلت عليها «تربط العيسمي بـ173 جواز سفر وهوية فنزويلية أصدرت لأفراد من الشرق الأوسط، بما في ذلك أشخاص لهم صلات بحزب الله اللبناني».
(الأخبار)