تقترب تركيا من التحوّل إلى نظام رئاسي مع موافقة البرلمان، أول من أمس، على مشروع التعديل الدستوري الهادف إلى تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، ما يفسح في المجال أمام طرحه من أجل التصويت عليه في استفتاء في الربيع، في خطوة تراها المعارضة «خيانة البرلمان لتاريخه»، وذلك في ظل أوضاع أمنية متوترة واستمرار التوقيفات على خلفية محاولة الانقلاب.
وبعد انتهاء التصويت، أمل الرئيس التركي أن «تتخذ الأمة القرار الصحيح» في الاستفتاء. أما رئيس الوزراء بن علي يلدريم، فقال إن «أمتنا ستقول الكلمة الأخيرة حول هذا الموضوع»، مضيفاً أنّه يجب أن «لا يشكك أحد في أن أمتنا ستتخذ القرار الأمثل». وأكد «حزب الحركة القومية»، أمس، دعمه الكامل للتصويت بـ نعم في الاستفتاء على التعديلات، إذ قال رئيسه دولت بهجلي، إن «الحزب سيبدي الموقف الأخلاقي عينه، وسيلتزم بالقرار الحازم الذي اتخذه بمسؤولية ونضج في البرلمان».
وصوّت النواب بأغلبية 339 من أصل 550 على تعديلات 118 مادة من الدستور، وستقرّ تلك التعديلات نهائياً بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليها ثمّ طرحها للاستفتاء الشعبي، مبدئياً في نيسان المقبل، وقد تفضي إذا أُقرّت إلى بقاء أردوغان في السلطة حتى عام 2029. ويمنح التعديل رئيس الجمهورية صلاحيات السلطة التنفيذية التي كانت تعود إلى رئيس الوزراء، رغم أن هذا المنصب همّش تدريجياً منذ تولي أردوغان الرئاسة عام 2014.

صوّت النواب على
تعديلات 118 مادة
من الدستور

وستمكّن التعديلات الرئيس من إصدار المراسيم وإعلان حالة الطوارئ وتعيين الوزراء وكبار المسؤولين في البلاد وحل البرلمان، وهي سلطات يقول حزبا المعارضة الرئيسيان، «الشعب الجمهوري» و«الشعوب الديموقراطي»، إنها ستقضي على التوازنات مع سلطات أردوغان. وإقرار الإصلاحات سيمكّن الرئيس من الاحتفاظ بصلات بحزب سياسي، وهو ما يمكن أن يسمح لأردوغان برئاسة حزبه «العدالة والتنمية» من جديد، في خطوة تقول المعارضة إنها ستقضي على أي حياد. وتشمل التعديلات أيضاً إجراء انتخابات رئاسية وعامة معاً في عام 2019 وتمنح الرئيس حق الحصول على فترتي ولاية بحد أقصى مدة كل منهما خمس سنوات.
ويقول أردوغان إن الإصلاحات ستوفر الاستقرار لتركيا المرشحة للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، في وقت تسوده الاضطرابات، وستحول دون عودة البلاد إلى الأوضاع الهشة التي عانتها في الماضي. لكن المعارضة تخشى أن تؤدي الإصلاحات الدستورية إلى حكم استبدادي متزايد.
من جهته، أكد يلديريم أنّ المشروع سيعود بالفائدة على الجميع، وسيسمح «بكسب الوقت» في إدارة البلاد. وأضاف أنه «لن يكون هناك أي ضعف في مكافحة الإرهاب أو حول القضايا الاقتصادية».
في المقابل، قال رئيس اتحاد نقابات محامي تركيا، متين فيض أوغلو، إن «الفصل بين السلطات سيلغى بالكامل، وكل الصلاحيات ستتركز بيد شخص واحد بحجة إحلال الاستقرار... لكنّ استقراراً دائماً ليس ممكناً إلا في ظل دولة القانون». وتابع أن «هذا ليس إصلاحاً بل انتحار، والشعب لن ينتحر أبداً».
وخلال المناقشات التي جرت في الأسابيع الأخيرة، ساد توتر شديد نواب مختلف الأحزاب. وخلال القراءة الأولى، الأسبوع الماضي، أصيب نائب بكسر في الأنف، بينما أكد آخر تعرّضه للعض في ساقه خلال مواجهات عنيفة.
وفي وقت متأخر من يوم الخميس الماضي، وقع تضارب بالأيدي بعد أن قيّدت النائبة آيلين نظلي آكا، المعارضة للتعديل، نفسها بمنبر المتحدثين، تعبيراً عن احتجاجها في قاعة البرلمان. وأصيب عدد من النواب بجروح طفيفة ونقلوا إلى المستشفى.
من جهته، قال زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، المعارض الرئيسي للتعديلات، كمال كيليتشدار أوغلو، بعد التصويت، إن حزبه سيحارب التعديلات في حملته التي تسبق الاستفتاء. وأضاف أن «هذه خيانة من البرلمان لتاريخه. بالتأكيد سيحبط شعبنا اللعبة التي حدثت في البرلمان... سنطرق على كل الأبواب لتوضيح هذا لشعبنا». وتحدثت مديرة فرع تركيا لـ«هيومن رايتس واتش»، إيما سنكلير، عن إصلاح «يجعل كل السلطات متركزة بيد الرئيس». وقالت إنه في مثل هذه الشروط، من المستحيل «إجراء مناقشة عامة فعالة في وسائل الإعلام حول التغييرات التي أدخلت»، ولم يتم إطلاع الشعب عليها بشكل صحيح.
كذلك، تتهم المعارضة أردوغان باستغلال حالة الطوارئ المطبقة منذ محاولة الانقلاب التي حدثت في 15 تموز لإسكات أيّ صوت معارض، عبر شنّ حملة تطهير واسعة غير مسبوقة. من جهة ثانية، يأتي هذا التصويت في أجواء غير مستقرة أمنياً، إذ إن البلاد شهدت في الأشهر الأخيرة سلسلة هجمات، أثّرت على السياحة وساهمت في التباطؤ الاقتصادي، وتراجع قيمة العملة الوطنية أمام الدولار إلى مستويات قياسية.
وقد توجّه الرئيس التركي، أمس، إلى تنزانيا، المحطة الأولى من جولة في شرق أفريقيا، سيناقش خلالها أنشطة الداعية فتح الله غولن الذي يتهمه بتدبير الانقلاب. وأضاف أردوغان الذي سيزور أيضاً موزمبيق ومدغشقر، خلال جولته من 22 إلى 26 كانون الثاني، أنه «سنناقش مع نظرائنا توقعاتنا المتعلقة بالتصدي لحركة فيتو».
في موازاة ذلك، ذكرت قناة «خبر ترك»، أول من أمس، أن المحققين الأتراك أصدروا أوامر باعتقال أكثر من 400 شخص، منهم جنود وضباط أمن في 48 إقليماً في البلاد على خلفية محاولة الانقلاب في تموز. ومنذ محاولة الانقلاب، سجنت تركيا نحو 40 ألف شخص إلى حين محاكمتهم، وأوقفت عن العمل أو فصلت أكثر من 100 ألف من الجيش والقضاء والجهاز الإداري.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)