يستعد الفرنسيون للجولة الأولى من انتخابات اليسار التمهيدية الهادفة إلى اختيار مرشح، من أصل سبعة أسماء، سوف ينافس في شهر أيار المقبل مرشح اليمين فرنسوا فيون، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، إضافة، مبدئياً، إلى كل من ممثل «حزب اليسار» جان لوك ملنشون، ووزير الاقتصاد الأسبق والمنافس الحقيقي لليسار إيمانويل ماكرون.
الانتخابات التمهيدية التي ستتم على جولتين، غداً والأحد المقبل، ستحسم أخيراً الاسم الذي سيمثل «الحزب الاشتراكي» في مرحلة ما بعد فرنسوا هولاند، الرئيس الحالي الذي تراجع عن الترشح لولاية ثانية.
ومن بين المرشحين السبعة (منهم من هو خارج الحزب الاشتراكي)، لا يبدو أن هناك حظوظاً سوى لأربعة منهم، هي الأكثر ارتفاعاً، فيما يشير تعدد الترشيحات إلى التشتت الذي أصاب هذا اليسار بعد خمس سنوات في الحكم في عهد فرنسوا هولاند. وأبرزهم رئيس الوزراء الأسبق مانويل فالس، إضافة إلى كل من الوزيرين الأسبقين، أرنو منتبورغ وبنوا هامون، اللذين بدأ كل منهما بسلوك طريق خاص به منذ عامين على الأقل. وأخيراً، يبرز اسم فنسان بييون، أستاذ الفلسفة ووزير التعليم بين عامي 2012 و2014.
وفي آخر مناظرة بين المرشحين السبعة، برز في نقاشهم تعدد في وجهات النظر واختلاف في عدد من القضايا. فاليسار المكبّل بتراكم المشكلات ظهر برؤى ضبابية وباهتاً في خطابه، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية. لكن إذا ما اتفق المتنافسون السبعة على أمر، فهي الخشية من المنافسة التي يمثلها إيمانويل ماكرون.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن مرشح الانتخابات التمهيدية لليسار لا يملك حظوظاً فعلية في الفوز في رئاسة الجمهورية. وفيما يبدو أن تجربة هولاند في الحكم غذّت انخفاض شعبية الاشتراكيين واليسار، فإنّ المشهد الانتخابي المتغير بأكمله منذ خمس سنوات أسهم في رسم هذه الصورة الجديدة.
وتتفاوت مواقف وأفكار المرشحين بشكل كبير، إذ تقلص «إطار القيم المشتركة بين المرشحين، لنجد أن ما يفرّقهم أكثر مما يجمعهم»، وفق صحيفة «لوموند» الفرنسية. وعلى عكس عام 2012، عندما فاز هولاند بالانتخابات الرئاسية، لم يعد هناك «دينامية جامعة» لليسار، وفق ما أظهرت المناظرات التلفزيونية الثلاث التي سبقت نهار الاقتراع.
ورأت «لوموند» في افتتاحيتها، أمس، أن إحدى المشاكل التي يعاني منها «الحزب الاشتراكي» هي عدم وجود «قيادة واضحة وبرامج انتخابية واضحة»، إضافة إلى «الهوة الكبيرة بين من كانوا في الحكومة مثل مانويل فالس، وأولئك الذين عارضوا منذ ثلاث سنوات، من بينهم بينوا هامون وأرنو منتبورغ».
ويعزز هذا الضعف وجود مرشحين من اليسار خارج الانتخابات التمهيدية، مثل جان لوك ملنشون وإيمانويل ماكرون الذي كان سابقاً في الحزب الاشتراكي. ويتمتع الرجلان بشعبية لا بأس بها، وتشكل تحدياً حقيقياً بالنسبة إلى المرشحين الآخرين، ويمثلان تيارين مختلفين يجمعان حولهما قاعدة انتخابية. وإضافة إلى ذلك، يعاني اليسار الاشتراكي أيضاً من نزوح ناخبيه التقليديين إلى اليمين المتطرف، خصوصاً الطبقة العاملة والشعبية.
وفي مناظرتهم الأخيرة، ناقش المرشحون برامجهم وأفكارهم. وفي ما يتعلق بالعلاقة مع أوروبا، فإن للمرشحين الأربعة الأبرز أيضاً وجهات نظر متفاوتة، إذ إن لكل من بييون وهامون رؤية أوروبية أكثر من فالس ومنتبورغ اللذين يتمتعان بنظرة سيادية أكثر في ما يتعلق بأوروبا.
وأيّد المرشحون للانتخابات التمهيدية، بدرجات متفاوتة، «جرعة» من الحمائية في أوروبا. بالنسبة إلى فالس، «يجب أن نحمي أنفسنا بشكل أكبر»، و«يجب فرض ضرائب قاسية على الواردات التي تخالف معاييرنا البيئية والاجتماعية»، معتبراً أن «المشروع الأوروبي مهدد بالتفكك»، خصوصاً «لأن الشعوب لا تستفيد منه». وزير التربية الأسبق، بينوا هامون، وفي مواجهة الرغبة في الحمائية التي عبّر عنها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قال إن «أوروبا وحدها اليوم لم تحدد ما الذي تريد حمايته». واقترح هامون «وضع حواجز على حدود الاتحاد الأوروبي تحدد شروط الدخول إلى السوق الأوروبية». أما وزير الاقتصاد الأسبق مونتبورغ الذي اشتهر بدفاعه عن النزعة الحمائية، وتشير استطلاعات الرأي إلى تعادله مع هامون للوصول إلى الدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية، فقد دافع عن فكرة دعم الشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة الحجم. وقال مونتبورغ إننا «بحاجة إلى إعادة بناء صناعتنا التي التهمتها الأزمة على مدى سنوات عشر مضت». غير أن الوزير الاشتراكي السابق فنسان بييون قال: «احذروا الحمائية»، متسائلاً «ما الذي سيفعله هؤلاء الذين يقولون سننغلق على ذاتنا من أجل كسب أسواق في الخارج؟».
ورداً على سؤال عن تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي وصف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بـ«الأمر العظيم»، وسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حول الهجرة بأنها «خطأ كارثي»، رأى المرشحون الثلاثة الرئيسيون أن على الاتحاد الأوروبي مواجهة ذلك من خلال رصّ الصفوف. وقال فالس: «آخذ تصريحات دونالد ترامب بكثير من الجدية. إنها حقاً إعلان حرب سياسية»، معتبراً أن مشروع الرئيس الأميركي المنتخب هو «كسر أوروبا». وأضاف أن تلك التصريحات هي إنذار «لأوروبا من أجل أن تكون قوية وموحدة».
أما مونتبورغ فقال إن «الوقت قد حان لتنظم أوروبا صفوفها... وربما لتخرج من المظلة الأميركية لمعاهدة الحلف الأطلسي». بدوره، رأى هامون أن هناك «فرصة لأوروبا من أجل أن تعيد رص صفوفها وتعزيز مشروعها للدفاع المشترك». في المقابل، عبّر المرشحون عن مواقف متضاربة بشأن احترام القواعد الأوروبية في مجال الميزانية. ووحدهما فالس وبييون رأيا أن من المهم احترام مبدأ العجز المحدد بثلاثة في المئة من إجمالي الناتج الداخلي. وقال رئيس الوزراء السابق: «لا أريد يساراً يقدم اقتراحات تفقده رصيده».

(الأخبار، أ ف ب)