«رَهَن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، رئاسته بالقوة التنفيذية. تصرّف من دون الكونغرس لتطبيق أجندته، معتمداً على فكرة أن إرثه يستند بشكل كبير على أن يحافظ عليه خَلَفه»... «انتُخب دونالد ترامب، بناءً على وعدٍ أساسه أنه سيفكك ما بناه أوباما»... جملتان واردتان في تقرير لكريستي بارسون ومايكل ميمولي، في صحيفة «لوس انجلس تايمز»، قد لا ينقصهما سوى موسيقى تصويرية لتخيّل مشهد خروج أوباما حاملاً معه ملفاته، ودخول ترامب متأبطاً أذرع «صقور» إدارته، الذين اختيروا لتمزيق هذه الملفات.
اليوم، في طريق خروجه، قد يلتفت أوباما إلى الوراء، على أمل أن يحظى بلحظة سحرية واحدة تسمح له بتدعيم «إرثه»، واستكمال المهمة التي بدأ بها منذ انتخاب ترامب، في الثامن من تشرين الثاني، والتي تمحورت في جزء كبير منها على الانتقال من ميكروفون هنا إلى آخر هناك، ومن منصة إلى أخرى، ومن صحيفة ما إلى مجلة ما، من أجل الترويج لما حقّقه في ثماني سنوات، ولما قد ينتج من إلغاء أيّ من عناصره. يمكن تلخيص هذه المهمة بأنها «لعب في ربع الساعة الأخير»، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ليتفرّغ أوباما بعد ذلك لحفظ إرثه، في الكتاب الذي ينوي تأليفه.
مع ذلك، ابتداءً من اليوم، سيعيش أوباما كابوساً لم يَعِشه قبله أي رئيس أميركي آخر؛ ففي تعليقٍ على انتخاب ترامب، يقول أحد الخبراء إن الرؤساء الأميركيين السابقين كانوا يخرجون من البيت الأبيض، من دون الاهتمام لما يمكن أن يقوم به الخَلف، إلا أن الوضع مختلف بالنسبة إلى أوباما.
ليس خافياً على أحد ميل ترامب لنقض نهج أوباما، وإن كان الجميع يُقدِّر أنه سيخالف كل الرؤساء الأميركيين بأسلوبه وسياسته عموماً. ولكن في الحالة المطروحة، يرى كُثُرٌ أن ترامب وفريقه مصرّون على حرق إنجازات الرئيس المنتهية ولايته، بالرغم من سعي الرئيس المنتخب نفسه إلى نفي ذلك، في إحدى المقابلات التي أجراها مع شبكة «فوكس نيوز»، بعد انتخابه. قال حينها إنه لا يتموضع لتفكيك إرث أوباما، ولكنه «يريد تبسيط التفاعل بين الوكالات الفدرالية والشركات». ورداً على سؤال عمّا إذا كان سيسدّد ضربة قاضية لإرث أوباما، أجاب بسرعة: «لا، لا، لا. لا أريد فعل ذلك أبداً»، مضيفاً أنه يريد فقط أن يفعل ما هو صحيح.
لم يكن الجواب شافياً، فقد أتت تعيينات مديري عدد من الوكالات الفدرالية ــ ممّن كانوا من أبرز الناقدين لسياسات باراك أوباما ــ لتؤكد توجّس الديموقراطيين ومناصريهم، وأيضاً إدارة أوباما وفريقه. وواصل حليفه المقرّب ورئيس مجلس النواب السابق، نيوت غينغرش، ترسيخ هذه الفكرة، بانتقاده «إرث أوباما»، قبل أيام، حين قال إن «ترامب سيعيده (الإرث) إلى حجم كرة غولف، بحلول عيد الفصح». وأكد أنه لن يحتاج إلى وقت طويل من أجل إلغاء العديد من قرارات أوباما التنفيذية.
التغيّر المناخي، قضايا الهجرة، الرعاية الصحية، الاتفاق النووي مع إيران، الانفتاح على كوبا،... كلّها «إنجازات» فاخر بها أوباما، خلال ولايته الثانية بشكل خاص، وانتقدها ترامب طيلة حملته الانتخابية، ثمّ صعّد من هجماته عليها، بعد الثامن من تشرين الثاني.
ولكن إلغاء إنجازات أساسية قام بها أوباما لن يكون سهلاً كما روّج ترامب في حملته. مثلاً، في ما يتعلّق بالاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، والذي يهاجمه بشكل متكرّر، على اعتبار أن أوباما مفاوض ضعيف، لا يمكن إلغاؤه من دون موافقة الأطراف الأخرى الموقّعة عليه، وهو أمر أبدت هذه الدول رفضها له. ولكن يمكن لترامب أن يعيد فرض عقوبات على إيران، كان أوباما قد أزالها كجزء من الاتفاق، وهو ما سيعرقل تنفيذه، ويضع إيران أمام واقع يجبرها على الرد على هذه الإجراءات، بما يناسب مصالحها، ومساعيها للحفاظ على الاتفاق.
أما بالنسبة إلى الاتفاقات الدولية الأخرى، مثل اتفاق المناخ الذي جرى التوصل إليه في باريس، فيمكن لترامب أن يعرقله برفضه اتخاذ خطوات باتجاه الحد من انبعاث الكربون، وهو ما كان أوباما قد وافق عليه. ولكن سيجد ترامب نفسه أمام اعتبارات كثيرة، في هذا المجال، فقد يكون من السهل إلغاء قرارات الإدارة المتعلقة بالمناخ، ولكن ماذا عن بعض الصناعات التي بدأت بالاعتماد على القوانين، وأنشأت استثمارات بناءً عليها، ولا يمكنها التراجع عنها الآن؟ سيضع هذا الأمر ضغوطاً على ترامب بهدف الإبقاء عليها.

لا يمكن لترامب إلغاء الاتفاق النووي من دون موافقة
الأطراف الأخرى



يبقى الإنجاز الأهم في الشأن الداخلي بالنسبة إلى أوباما هو الضمان الصحي، أي «أوباماكير»، الذي طالما انتقده ترامب. «سنقوم بإصلاح الضمان الصحي، سنجعله بأسعار معقولة»، قال في إحدى المناسبات التي تلت لقاءه الجمهوريين في الكونغرس المتحمّسين لإلغاء «أوباماكير». «سنقوم بعمل حقيقي من أجل الناس»، أضاف ترامب، في وقت كان أوباما يعمل فيه جاهداً لإنقاذ هذا الإرث و»الانتصار الداخلي»، بالاعتماد على استراتيجية تقابل الحملة التي يواجهها. وانطلاقاً من فكرة أن إنجازاته تحظى بشعبية لدى الأميركيين، سعى مساعدوه إلى الإعداد لحملة من أجل تذكير الجمهور بما هو على المحك من أنظمة وأوامر تنفيذية واتفاقات جرى التفاوض عليها. وفي هذا الإطار، تنقل صحيفة «لوس أنجلس تايمز» عن المتحدث باسم البيت الأبيض قوله إن «محو أفعال أوباما سيُغضب الأميركيين»، مؤكداً أن «هذا الأمر يجب أن يأخذه الجمهوريون في الحسبان».
وفيما اعتمدت استراتيجية أوباما على تذكير المستهلكين الذين يصل عددهم إلى 20 مليوناً بما سيخسرونه في حال إلغاء «أوباماكير»، والضغط على الجمهوريين للبحث عن بديل يبدو صعباً في الوقت الحالي، إلا أن ذلك لم يمنع ترامب من الدفع باتجاه متابعة «وعوده»، مطالباً الجمهوريين بالإسراع في إيجاد هذا البديل.
«كلمة أوبامية لم تشهد انطلاقة فعلية، ولكن أوباما تمكّن من وضع أسس لكلمة أوباماكير»، يقول ديفيد سميث في صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، مضيفاً أن «ضرب أوباماكير، قد يعني مجازاً نسف كامل إرث أوباما». ويذهب سميث إلى أعمق من ذلك، متسائلاً «عن الفوارق بين ترامب وأوباما على مستوى الطباع والشخصية»، ليفصّل في هذا المجال «رباطة الجأش، المهارة والكرامة»، التي تُطلق غالباً على أوباما، ثمّ «نرجسي وسوقي»، من الكلمات التي تطلق على ترامب.
ربّما يوافق أصدقاء ترامب وأعداؤه على شيء واحد، وهو أن الرجلين لا يتشابهان في شيء. ولكن ذلك لا يعني أن أحدهما أفضل من الآخر، فلكل رئيس أميركي عرضه الخاص ومسرحيته التي ستمثّلها شخصيات أساسية تلعب أدواراً بارزة في رسم سياسة الرئيس والترويج لها وتسهيل تقبّلها لدى الجمهور، مهما كانت تقليدية أو استثنائية.




35% من الأميركيين: الضغط النفسي ازداد

أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، بالتعاون مع شبكة «إيه بي سي» الإخبارية، أن 65 في المئة من مؤيدي هيلاري كلينتون يقولون إن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية سبّب لهم «ضغطاً نفسياً إضافياً»، في حين يقول 33 في المئة إن وصول ترامب إلى البيت الأبيض لم يؤثر عليهم.
ويشير الاستطلاع إلى أن 35 في المئة من الأميركيين، بشكل عام، يقولون إن ضغطهم النفسي ازداد بعد فوز ترامب، في مقابل 52 في المئة يصرّحون بأنهم لم يشعروا بأي فرق. أما أنصار ترامب، فـ65 في المئة منهم يقولون إن ضغطهم النفسي لم يتغيّر بعد النتائج، في حين يقول 31 في المئة إنهم باتوا أقلّ توتّراً. وفي سياق آخر، أعلن أكثر من 60 نائباً ديموقراطياً (65 وفق آخر إحصاء)، أنهم لن يحضروا حفل تنصيب ترامب في مبنى الكابيتول، وذلك احتجاجاً على ما وصفوه بـ«سياسات ترامب المقلقة، والتدخل الأجنبي في انتخابه، وانتقاده لعضو الكونغرس عن جورجيا وأحد رموز الحركة الأميركية للحقوق المدنية، جون لويس».
(الأخبار)