رأى وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هوبير فيدرين (1997 ــ 2002) أنه بات على الغرب أن «يعترف بأنه لا يمكنه أن يحكم العالم بعد الآن».
وفي مقابلة طويلة مع صحيفة «لوموند» نُشرت في عدد أمس، قال إن «مأساة حلب تعدّ رمزاً قاسياً للخطأ الذي ارتكبه الغربيون، منذ بداية الأزمة السورية»، مشيراً إلى أن حلب «تمثل انهيار السياسات الغربية، التي تقودها قبل كل شيء المعايير والمواقف الأخلاقية، المشرّفة، ولكن التي لا سوق لها في الواقع». وفي هذا السياق، لفت إلى أن «روسيا وإيران تملكان الأوراق في أيديهما» الآن، معتبراً أنه «حتى لو فشلا، فإن ذلك لن يعيدنا إلى اللعبة... يجب أن نتعلّم الدرس».
وأكد فيدرين أن «خسارة الغربيين لأحادية السلطة ــ التي ملكوها منذ قرون ــ أمر ملاحظ منذ بعض الوقت». إلا أنه أشار إلى أن أحداثاً كثيرة ساهمت في تجلّيها، مركّزاً في هذا السياق على الحرب السورية. وقال: «كان يجب أن تحصل بعض الأحداث المريعة، مثل استعادة الأحياء الشرقية في حلب من قبل النظام السوري ــ بمساعدة الطائرات الروسية ــ في وجه الغربيين الضعفاء، ومن بعدها المفاوضات من أجل الخروج من الأزمة السورية، والتي أعلنت عنها روسيا وتركيا وإيران ــ من دون الولايات المتحدة وفرنسا ــ ليشكل هذا الأمر دليلاً مذهلاً (على ما وصل إليه الغرب)».
ورداً على سؤال عمّا كان يجب أن يفعله الغرب في سوريا، رأى الدبلوماسي الفرنسي أنه «كان الأجدر بالأميركيين والفرنسيين، منذ بداية الحرب، أن يقولوا إنهم لا يملكون الوسائل المناسبة ولا الشرعية للتدخل، وبالتالي الاكتفاء بالمساعدة الإنسانية من أجل الحد من معاناة السوريين، من خلال مساعدة تركيا والأردن ولبنان، والقبول باستضافة اللاجئين، بالتزامن مع التشاور مع روسيا». إلا أنه تطرّق إلى خيار آخر كان يمكن اللجوء إليه، وهو «فرض الديموقراطية في سوريا، ما يعني تأمين الوسائل العسكرية والمادية والسياسية من أجل النجاح». وأوضح أن ذلك يعني أيضاً «التدخل بشكل كبير لدعم أصدقائنا الديموقراطيين، على الرغم من ضعفهم. وإذا ما اقتضى الأمر، إرسال مئة ألف رجل على مدى سنوات، بعد التأكد من دعم الرأي العام (الغربي) لذلك». ولكنّ الوزير الفرنسي الأسبق بدا غاضباً ممّا أقدم عليه الغرب في سوريا، وهو «أننا لم ندعم أياً من الطرفين، في الوقت الذي جعلنا فيه معارضي (الرئيس السوري) بشار الأسد يعتقدون بأننا ندعمهم». وأشار إلى خطأ آخر وهو «أننا لم نستمع للمسيحيين في سوريا ولبنان، الذين حذروا من أنه في حال سقوط نظام الأسد، فإن النظام المقبل سيكون أسوأ». إضافة إلى ما تقدّم، رأى أن كان من الخطأ «الاعتقاد بأن روسيا ستترك قاعدتها الخارجية الوحيدة تسقط، أي القاعدة البحرية في طرطوس».
من ناحية أخرى، تركّزت المقابلة، في جزء كبير منها، على انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وهو ما عدّه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق «ترجمة قاسية للواقع» الذي وصلت إليه السياسات الغربية. ولفت إلى أن «الوقت قد حان من أجل القيام بجردة حساب»، مشيراً إلى أن انتخاب ترامب قد أدى إلى إضعاف عدد من الاقتناعات في الغرب. مع ذلك، فقد أكد أن انتخابه ليس سبباً ولكن نتيجة لما وصل إليه الغرب، موضحاً أنه يُظهِر «تمرّد الطبقات الشعبية التي لم تؤمن يوماً بالعولمة السعيدة، وأيضاً الطبقات الوسطى الغربية التي تبتعد عن العولمة، وعن أوروبا».
أما عن كيفية تعاطي أوروبا مع ترامب، في المستقبل، فقد رأى أنه يجب على ثلاث أو أربع دول أوروبية وازنة أن تواجه قراراته المرتقبة، ذاكراً منها الاتفاق بشأن التغيّر المناخي. أما في ما يتعلق بالاتفاق النووي، فقد أشار إلى أنه يجب على الأوروبيين أن يؤكدوا لترامب أنهم سيواصلون تنفيذه لأنه اتفاق دولي، موضحاً أنه «إذا ما أراد فرض عقوبات بسبب التعاون مع إيران، يجب على الأوروبيين اقتراح نظام تبادل مع الدول النامية ــ مثل روسيا والصين ــ بهدف العمل مع إيران». وأضاف فيدرين: «إذا ما كنّا قادرين على تبنّي هذا النوع من المواقف، فإن الأعمال الأميركية الكبرى ستضغط على ترامب».
(الأخبار)