استأنف الزعيمان القبرصيان، اليوناني نيكوس أناستاسيادس، والتركي مصطفى اكينجي، أمس، في جنيف مفاوضات حول مستقبل الجزيرة المتوسطية المقسّمة منذ أكثر من 40 عاماً، لكن النتيجة لا تزال غير واضحة رغم أجواء التفاؤل التي يبديها وسيط الأمم المتحدة النروجي إسبن بارث ايدي، الذي قال للصحافيين: «نحن حالياً في اللحظة النهائية، لحظة الحقيقة».
وهي المرة الثالثة منذ تشرين الثاني 2016 التي يلتقي فيها الزعيم القبرصي التركي ورئيس جمهورية قبرص، في سويسرا. ومن المقرر أن يتفاوض الوفدان حتى يوم غد، ثم يُنظم الخميس مؤتمرٌ موسع حول الجزيرة يضمّ أيضاً زعماء الدول «الضامنة» لأمن الجزيرة، وهي تركيا واليونان وبريطانيا، المستعمِرة السابقة التي لديها قاعدتان عسكريتان هناك تمتدان على مساحة تقارب 250 كيلومتراً مربعاً. كذلك من المرتقب أن يحضر المؤتمر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، باسم الاتحاد الأوروبي بصفة «مراقب».
وأعلن وسيط الأمم المتحدة أمس أنه «ليست هناك مشكلة لا يمكن حلها في هذه المفاوضات»، لكنه أقرّ في الوقت نفسه بأنّ «المسائل الأشد تعقيداً والأشد وقعاً» ما زالت تحتاج لنقاش. ورأى أنّ «المؤتمر (يوم الخميس) لن يكون ناجحاً إلا إذا حصلنا على نجاح» قبل ذلك اليوم. وحذر الطرفين قائلاً: «لا يجب أن تعتبرا أنه من قبيل المكسب الدائم واقع أن النزاعات المجمدة ستبقى كذلك للأبد». وأضاف محذراً أيضاً، أنّ «مجمل هذه العملية في الأشهر الـ19 الأخيرة، بما فيها الأيام والأسابيع المقبلة، تشكّل فرصة لا يجب إضاعتها».
وأجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اتصالاً برئيس وزراء اليونان ألكسيس تسيبراس، أكد فيه الطرفان أهمية اجتماعات جنيف الحالية، فيما ربطا حضورهما في مؤتمر يوم الخميس بمدى التقدّم الذي سيحرزه الجانبان.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد أعلن عقب لقائه الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، يوم الجمعة الماضي، «الاقتراب من المرحلة الأخيرة في ما يتعلق بقبرص، إذ يعمل الطرفان والأمم المتحدة بنحو بنّاء، ولا تزال هناك عدة مشاكل». وأضاف: «أنا متفائل أكثر من أي وقت مضى... الأمر ليس سهلاً، إلا أننا عازمون على التوصل لحل، ومنطقتنا بحاجة لمثل هذا التطور الإيجابي».
وبينما اعتادت تركيا استخدام ملف انقسام الجزيرة في خلال مفاوضاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإنّ قضية قبرص المُقسّمة منذ عام 1974 عندما غزت تركيا شمال الجزيرة عقب انقلاب عسكري وقع بإيعاز من اليونان، تقدّم أبرز دليل على عدم انتهاء مخلفات حقبة الاستعمار بعد، خاصة أنه حين اضطر المستعمر البريطاني إلى القبول باستقلال الجزيرة عام 1959، بشرط الإبقاء على القاعدتين العسكريتين، فإنّ معاهدات الاستقلال كرّست منح بريطانيا واليونان وتركيا حق التدخل في حال وجود اضطرابات.
وقد أقام دستور الاستقلال الذي رعته الدول الثلاث نظاماً طائفياً بحتاً، سهّل في وقت لاحق انقسام الجزيرة بين شطرين، يوناني وتركي. فعلى جميع المستويات، فصل الدستور بين سلطات خاصة بالمسلمين (الأتراك) وبالأرثوذوكس (اليونانيين). وفرض أن يكون رئيس الجمهورية يونانياً، وأن يكون نائبه تركياً، وتمتع هذا الأخير بحق الفيتو على المسائل المتعلقة بالدفاع والعلاقات الخارجية والأمن. وفرض الأمر الواقع في حينه أن تؤخذ البرامج المدرسية من أثينا وأنقرة، فضلاً عن أنه سُمح برفع أعلام تركيا واليونان، وأناشيدها الوطنية والاحتفال بأعيادها الرسمية.
(الأخبار)